من المؤكد أن إيهود أولمرت المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل، قد أثار حيرة بين المراقبين، عندما أعلن منذ أيام أنه مصمم على تضمين خطة الانفصال أحادي الجانب عن الضفة، ضمن الخطوط العريضة لحكومته. وقد تساءل أكثر من محلل إسرائيلي، هل يعني أولمرت بهذا التصريح أنه لن ينص في الخطوط العريضة على استنفاد فرصة التفاوض مع الطرف الفلسطيني على أساس "خريطة الطريق" أولاً، قبل اللجوء إلى الحل المنفرد؟ حتى كتابة هذه السطور لم يصدر عن مصادر حزب "كاديما" ما يبدد الحيرة، وربما كان الأمر برمّته مقصوداً لتوليد ضغط إضافي على الطرف الفلسطيني. لكننا نستطيع، استناداً إلى البرنامج السياسي الذي خاض "كاديما" الانتخابات على أساسه، أن نرجّح أن الخطوط العريضة للحكومة ستذكر صراحة أن المفاوضات على أساس "خريطة الطريق" هي الطريق المفضل لترسيم الحدود النهائية، وأن الحل المنفرد سيكون الملجأ الأخير، إذا ما وصلت المفاوضات مع الجانب الفلسطيني إلى طريق مسدود. وبالطبع فإن الحكم على وصول المفاوضات إلى طريق مسدود سيكون في يد زعماء "كاديما"!
إن هذا الترجيح من جانبنا، تعززه مواقف الأحزاب التي دخلت بالفعل في مفاوضات مع حزب "كاديما"، حول شروط تشكيل الحكومة الائتلافية، وهي تتعلق عادة بالمضامين السياسية والاجتماعية التي تعبر عنها الخطوط العريضة للحكومة، وبتوزيع الحقائب الوزارية بين الأحزاب.
هناك عدة أحزاب تشارك حالياً في هذه المفاوضات الائتلافية، وجميعها تفضل أن يكون الحل النهائي مع الفلسطينيين، مبنياً على الاتفاق والتفاوض. هذه الأحزاب هي أولاً حزب "العمل" الذي حسم موقفه مع "كاديما" على أعلى المستويات في هذا الموضوع، من خلال المفاوضات السرية التي جرت بين أولمرت وعامير بيريتس، قبل أيام قليلة من إعلان عامير تأييده لتكليف أولمرت بتشكيل الحكومة. وما زال حزب "العمل" بقوته البرلمانية 19 مقعداً، يمثل القائد السياسي لمجموعة الأحزاب الأخرى السائرة في نفس الاتجاه.
أما ثاني هذه الأحزاب من حيث القوة البرلمانية فهو حزب "شاس" 12 مقعداً، والممثل للمتدينين "الحريديم" الشرقيين، الذي يدعو زعيمه الروحي "عوفاديا يوسف" إلى التنازل عن الأراضي الفلسطينية في الضفة -والتي يعتبرها إسرائيلية- فقط، في مقابل اتفاق سلام يؤدي إلى حقن دماء الإسرائيليين من خلال إنهاء الصراع، وهو موقف يقلق أولمرت بشدة.
أما ثالث هذه الأحزاب فتمثله قائمة المتقاعدين (7 مقاعد)، ولقد أوضح رئيس طاقم التفاوض الممثل لهذا الحزب في المفاوضات الائتلافية مع "كاديما"، وهو عضو الكنيست "إيلي جولد شميت" بعد انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات منذ يومين، أن حزبه راضٍ عن نتائج المفاوضات التي تركزت حول مطالب المتقاعدين الاجتماعية، وأنه حدث تقدم كبير بقبول طاقم "كاديما" لهذه المطالب المتعلقة بزيادة المساعدات المالية للمتقاعدين، وتمويل ارتفاعات أسعار أدوية الأمراض المزمنة التي يعالج بها المسنون وغير ذلك. وقد بيّن "شميت" أن تركيز حزبه في هذه المرحلة منصب على المطالب الاجتماعية.
أما رابع هذه الأحزاب من حيث القوة البرلمانية، فهو حزب "يهدوت هتوراة" 6 مقاعد، وقد خاض هو الآخر الجولة الأولى من المفاوضات مع طاقم حزب "كاديما" برئاسة "د. يورام توربوتش". وخرج المتحدث باسم "يهدوت هتوراة" المعبر عن المتدينين "الحريديم" الغربيين، ليؤكد أن هناك تقارباً كبيراً في المواقف وقبولاً من جانب "كاديماً" للمطالب الاجتماعية والمالية والدينية التي طرحها حزبه. أما فيما يتصل بقضية الحل مع الفلسطينيين التي يتخذ فيها الحزب موقفاً مشابهاً لموقف حزب "شاس"، فقد أوضح المتحدث باسم "يهدوت هتوراة"، وهو عضو الكنيست "موشيه جفني" أن هذه القضية سترفع إلى مجلس كبار حاخامات التوراة ليقرر بشأنها. وهذا التصريح بالذات يعطي انطباعاً بأن طاقم "كاديما" قدم طرحاً لحزب "يهدوت هتوراة" يفيد غلبة حظوظ الحل المنفرد لدى أولمرت على الحل القائم على التفاوض مع الفلسطينيين.
ويبدو من تقرير نشرته "هآرتس" عن المفاوضات الائتلافية أن حزبي "العمل" و"شاس" قد تلقيا انطباعاً من طاقم "كاديما" بأن أولمرت يعتزم البدء في عملية الانسحاب أحادي الجانب من الضفة أثناء ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش.
بالطبع ما زالت المفاوضات الائتلافية في بدايتها وستزداد الأمور وضوحاً خلال أربعة أسابيع.