على الرغم من أنها لم تتخذ لها اسماً بإثارة "حرب الأيام الستة" أو "الانتفاضة الثالثة" أو "حرب السويس" وغيرها من هذه التسميات الرنانة, فإن حرباً هادئة ظلت تجري بين الإسرائيليين والفلسطينيين, منذ الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة. وربما حان الوقت لتسميتها بـ"الحرب الهادئة الصغيرة". بل ربما كان الأفضل تسميتها بـ"الحرب الغبية", لكونه اسمها الحقيقي فعلاً. ودعنا نلقي نظرة على ما يحدث هنا على وجه التحديد: فقد انسحبت إسرائيل من قطاع غزة, معطية بذلك الفلسطينيين فرصة هي الأفضل على الإطلاق –رغم عدم مثاليتها ونقائصها- لتمكينهم من بناء ما يليق بهم, بعيداً عن أي وجود لاحتلال عسكري إسرائيلي يلوي أعناقهم. ولكن انظرْ إليهم ماذا هم فاعلون: حرب وتطاحن واقتتال فيما بينهم, مهاجمة الأهداف الإسرائيلية بصواريخ القسام, ثم استفزاز إسرائيل وتحريضها على ردود الفعل الانتقامية العسكرية ضدهم!
والآن فحتى الاتحاد الأوروبي نفسه, أعلن عن وقف مساعداته المالية للفلسطينيين, حرصاً منه على عدم وصول تلك الأموال إلى حكومتهم الجديدة التي تقودها حركة "حماس". وما أن يشد الأوروبيون بالذات على الفلسطينيين, حتى تدرك أن الأخيرين لم يحسِنوا التصرف أبداً. وأكد الاتحاد الأوروبي امتناعه عن تقديم المساعدات المالية المباشرة التي تمكِّن الحكومة الفلسطينية من دفع رواتب موظفيها العموميين, طالما ظلت حكومة "حماس" الجديدة على رفضها الالتزام بالقرارات الفلسطينية السابقة التي تعترف بدولة إسرائيل وتنبذ العنف.
ولكن ماذا سيحدث إن صح موقف كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من حيث المبدأ, إلا أنه تمخض عن كارثة أكبر وأخطر مدى على أرض الواقع؟
ماذا أعني هنا على وجه التحديد؟ دعنا نبدأ بما هو مبدئي أولاً. فالديمقراطية لا تنحصر في مجرد الفوز بالتنافس الانتخابي. ذلك أنها تتضمن احترام حكم القانون, فضلاً عن التقيد بنصوص الدستور والقرارات التي اتخذتها البرلمانات المنتخبة السابقة. وبالمقارنة, فقد التزمت السلطة الفلسطينية –سواء تلك التي تولت قيادتها "فتح" أم منظمة التحرير الفلسطينية- بحق إسرائيل في الوجود, علاوة على نبذها للقوة والعنف, وإنْ كان ذلك مجرد حبر على ورق لا أكثر. ولكن الشاهد أن "حماس" رفضت الاعتراف جملة وتفصيلاً بهذين الموقفين السابقين.
غير أن النهج الديمقراطي الوحيد الذي تستطيع به "حماس" إكساب رفضها هذا شرعيته, هو إجراؤها استفتاءً شعبياً عاماً, يخولها التمسك برفضها الحالي. وإلى أن تخطو "حماس" هذه الخطوة الديمقراطية حقاً, فإن رفضها الأحادي لتك الأعراف والتقاليد الفلسطينية السابقة, إنما يظل في حكم الممارسة الاعتباطية الكيفية للسلطة دون شك. وهي في ذلك ليست أقل اعتباطية ولا أحادية في ممارستها المطلقة للسلطة, من الرئيس بوش, في تمزيقه لنصوص معاهدة قناة بنما!
كما ينبغي على نظام الحكم الديمقراطي ممارسة قدر من احتكار القوة. وفي هذا فإنه لا يحق لـ"حماس" أن تطالب العالم بالاعتراف لها بامتيازاتها الديمقراطية التي حققتها بفوزها الانتخابي الأخير, في الوقت الذي تواصل فيه هي رفضها كبح جماح المتشددين الفلسطينيين, ووقف استهدافهم لإسرائيل سواء بواسطة صواريخ "القسام", أم المقاتلين الانتحاريين الذين ينطلقون ضدها من قطاع غزة. ولتعلم الحركة أنه ليس في مقدورها التظاهر برفع يدها عن أية مسؤولية إزاء الهجمات التي تشنها المليشيات "الخارجة" ضد إسرائيل, طالما بقيت تلك المليشيات, تحت المسؤولية السيادية لحكومة "حماس".
وكما قال المنظر السياسي الإسرائيلي, "يارون إزراحي": "فإنه لا تستوي منظمة إرهابية صعدت إلى سدة الحكم, عبر الإجراءات الديمقراطية الانتخابية, بحكومة ديمقراطية حقاً". و"لا يمضي يوم واحد دون أن تحاول فيه حماس جاهدة وقف هذا القصف الصاروخي على إسرائيل, أو الاعتراف بالعهود والمواثيق الفلسطينية السابقة, دون أن يقوض شرعية ذلك الفوز الانتخابي الذي حققته". ومضى إزراحي إلى القول أيضاً "ليست الديمقراطية بنت ليلة واحدة فحسب, لكونها زواجاً بين الشعب والحكومة. وهذا هو ما يدعونا إلى تسميتها بأنها "عقد اجتماعي". وطالما هي كذلك, فإنه يتعذر تغييرها من قبل أحد طرفيها فحسب". وبكلمة واحدة, فإن العالم في حِلٍّ من احترام الانتخاب الديمقراطي لـ"حماس", طالما ظلت هي على عدم احترامها لهذه المبادئ الديمقراطية.
ومن هنا ربما ينشأ الاعتقاد بمقولة: "دعنا إذن نمسك عنهم الأموال حتى يعودوا إلى رشدهم". ولكن ماذا لو أدت هذه القناعة إلى تفشي وارتفاع معدلات البطالة في الضفة الغربية؟ صحيح أن الخطأ كله يقع على عاتق "حماس". غير أن إسرائيل هي من سيتحمل تبعات هذه المعاناة في البيت الفلسطيني المجاور. بل ماذا لو دفعت هذه الضغوط المالية "حماس", إلى تعميق تحالفها مع إيران, بغية الحصول منها على ما يلزمها من دعم مالي؟ فهل يصب ذلك في مصلحة إسرائيل؟ والإجابة كما حدثني الكاتب الصحفي الإسرائيلي "ناحوم بارنيع", أن الش