إذا ما نظرنا إلى التغييرات التي طرأت على الشرق الأوسط منذ هجوم الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة فسوف نجد ما يلي:
1- أفغانستان: على الرغم من الإطاحة بحكومة "طالبان" المتطرفة، فإن الرأي العام في البلاد لا يزال متطرفا للغاية.
2- العراق: تمت الإطاحة بصدام حسين الذي كان يمثل الهدف الأول للولايات المتحدة، وهو الآن مسجون ويُحاكم بطائفة من الجرائم. أما الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة الذي كبته صدام بوحشية، فسيتواصل على الساحة العراقية.
3- الوطنية: عامل ظهر باعتباره العامل الوحيد الذي تعادل قوته قوة الدين. وخلال الحرب الباردة برزت الوطنية باعتبارها القوة التي تتفوق في تأثيرها على الاشتراكية والديمقراطية.
4- باكستان: بعد الحادي عشر من سبتمبر بوقت قصير، تمكن وزير الخارجية الأميركية في ذلك الوقت كولين باول، من إقناع الرئيس الباكستاني الجنرال "برويز مشرف" بمساندة الولايات المتحدة في مطاردة أسامة بن لادن. ولكن هناك شكا حول مدى تغلغل هذا الدعم في ثنايا الجيش الباكستاني، خصوصاً وأن الاستخبارات العسكرية الباكستانية لا زالت تحوم حولها شكوك قوية بأنها تتعاطف إلى حد كبير مع تنظيم "القاعدة". وليس معروفاً حد الآن إجابة السؤال: من يحكم ماذا على الحدود الأفغانية- الباكستانية؟
5- إيران: هنا نجد مثالاً بارزاً على الوطنية، التي تصل إلى حد الإيمان بأن الدولة الإيرانية، بدون أسلحة نووية، سينظر إليها على أنها لم تصل بعد إلى درجة السيادة التامة.
6- الهند: لا تقل إصراراً فيما يتعلق بالإيمان بفكرة أن الأسلحة النووية تعد حقاً من حقوق السيادة الوطنية. الفارق هنا أن الهند مدعومة من قبل الولايات المتحدة في حين أن إيران ليست كذلك. ومن المؤكد أن العالم الإسلامي قد لاحظ هذا الفارق.
7- كردستان: "الدولة" هنا تتجسد في صورة حلم في أذهان الأكراد القوميين. ولكن تلك الأحلام تمثل في نفس الوقت مادة لكوابيس تقض مضاجع العسكريين ورجال الدولة المسؤولين عن الأمن الدولي.الأكراد العراقيون يشعرون الآن بأنهم يعيشون أزهى أيامهم بعد تحررهم- دون أدنى مبالغة- من الاستبداد تحت حكم صدام حسين. والآن لو افترضنا أن هؤلاء الأكراد قد حملوا مسألة تحررهم من الاستعباد خطوة إضافية إلى الأمام، وقاموا بإعلان دولة مستقلة في كردستان في المناطق التي تسكنها غالبية كردية في شمال العراق، خصوصاً إذا ما علمنا أنه يوجد عدد كبير من السكان الأكراد في البلدان المجاورة للعراق وهي سوريا وإيران وتركيا(بشكل خاص). ماذا سيفعل هؤلاء الأكراد الذين يعيشون في تلك الدول إذا ما أصبحت لإخوانهم أكراد العراق دولة مستقلة؟ ربما سيهاجرون، ويستقرون في تلك الدولة، أو ربما يسعون إلى توسيعها بحيث تشملهم ضمن نطاقها. وليس من المرجح أن تقبل الحكومات والجيوش التركية أو الإيرانية أو السورية هذا الحل مما سيشكل في النهاية عناصر لاندلاع حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط. ثم ماذا ستفعل الولايات المتحدة إذا ما حدث هذا وقواتها لا تزال موجودة في العراق؟
تاريخيا، قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بمساعدة أكراد العراق. فخلال الحرب العراقية- الإيرانية التي اندلعت رحاها في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي. آي.إيه" تقدم برامج مساعدة سرية للأكراد. وبعد حرب الخليج الثانية، قامت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا بفرض منطقة يحظر تحليق الطائرات العراقية في سمائها وذلك كوسيلة لحماية الأكراد. ماذا كانت ستفعل الولايات المتحدة وبريطانيا إذا ما كانتا قد واجهتا بحرب ضد الأكراد بواسطة تحالف عراقي- سوري- إيراني- تركي؟
على أطراف منطقة الشرق الأوسط، امتنعت كل من باكستان والهند عن استخدام أسلحتهما النووية حتى الآن لحل النزاع بينهما. ولكن ماذا ستفعل الدولتان أمام إغراء تعزيز وضع كل منهما الإقليمي، بل وربما الاستيلاء على كشمير في غفلة من العالم؟
ليس من الضرورة أن تكون كل هذه المعطيات قد تلت الحادي عشر من سبتمبر. بل إن بعضها ربما لا يحدث أبدا.. ولكن مما لا شك فيه أن موقف الولايات المتحدة كان سيكون أقوى كثيرا سواء من الناحية السياسية أو العسكرية، إذا ما كانت حكومتها قد تصرفت على نحو مختلف.
فرد الفعل الأميركي الأول على هجوم الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن يستلزم المضي إلى ما وراء أفغانستان. فأفغانستان، وحكومة "طالبان" فيها، هي التي حمت بن لادن. وبعد النصر الذي حققته الولايات المتحدة على "طالبان" فإن كل ما كان يتعين عليها القيام به في ذلك الوقت هو ملاحقة زعيم "القاعدة" بشكل نشيط. فالقبض عليه في الأيام الأولى، كان بإمكانه أن ينهي الموضوع برمته، ولكن البيت الأبيض كان عاقداً العزم على نشر الديمقراطية!
أما إيران فكانت ستظل دولة يصعب التعامل معها. والمواجهة بين الهند وباكستان من جهة وبين الإسرائيليين والفلسطينيين من جهة أخرى، فربما ظلت خطرة وعصية على الحل أيضاً.
ولكن الأمر الذي لا شك فيه هو أن وضع الولايات المت