لا حسد إلا في اثنتين: العلم والمال، والحسد هنا كما جاء في الحديث يقصد به الغبطة، فالحسد هو تمني زوال النعمة، والغبطة المشاركة، فيغبط المرء في أمرين: ثراء مسخر للعلم، وعلم ينشر بدون حدود.
وجدلية المال والعلم تقول: إن المال ينقص بالإنفاق، والعلم يزداد مع العطاء. والحكمة تنصُّ على ربط المال بالعلم، وبالعكس حتى يقوى عوده ويأخذ قوة الديمومة والتدفق والاستمرار والحياة، وإنما تعمر القلوب بذكر الله.
والمال يفرق، والعلم يجمع، ولو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم.
والملياردير الأميركي "سير جون تمبلتون" بعد أن قضى ردحاً من الزمن يضارب في البورصات، هجعت عنده رغبة الجشع إلى المزيد من المال، وانقدحت في ذهنه أفكار جديدة خارج ميدان تكديس المال، وصفقات البيع والشراء؛ فجلس في جزر البهاما الهادئة، يعيد ترتيب حساباته، وقد أشرف على التسعين، وأسس "معهد تمبلتون للعلم والبحث الروحي"، (TEMPELTON FOUNDATION)، وكتب مجموعة من الكتب بعناوين شتى، وأشهر كتبه الثلاثة هي: "قوانين الحياة على امتداد العالم" و"مائتا قاعدة روحية خالدة" و"الاقتراب الخاشع"، خلط فيها أفكاراً شتى، استعار بعضها من حكمة الشرق، من الكونفيشيوسية، والبوذية في طرقها الثماني المعروفة عن التفكير السليم والإرادة الطيبة والعمل الصالح والتركيز.. الخ، وضع فيها فلسفته وخبرته من الحياة في مجلد من 500 صفحة، ويمتاز الكتاب كما وصفه المعجبون بأنه يتمتع بالحكمة العميقة أكثر من الدقة العلمية، أما خصومه وحساده فاستهزأوا به معتبرين أنه مازال يضارب على نفس طريقته القديمة، لكن هذه المرة بالأفكار.
حرر "تمبلتون" جهده في كتبه التي وضعها في مجال العالم الروحي ولماذا لا يكتشفه العلم بدقة ويقين؟‍! ولكنها خطوة لم تشبع نهمه لفكرته؛ فرأى التحرك بنشاط لهذا الإلهام الطارئ، في استنفار طاقة فطاحلة العلماء، في كافة الميادين وخاصة أولئك الذين يتقدمون لنيل جائزة نوبل، ولكن بمال أكثر، للبحث في الأزمة الروحية عند الإنسان.
عمد "تمبلتون" بعد أن تيبست مفاصله، واشتعل الرأس شيباً، ودلف إلى الشيخوخة؛ إلى تأسيس معهد خاص يختتم بمهمته حياته تحت اسم "علاقة العلم بالمعرفة الروحية"، في صورة جديدة لاكتشاف جدلية "العلم والإيمان" وقد جاء هذا مشروع المعهد تحت إدارة عالم ضليع في علم الفلك "الكوسمولوجيا" هو "شارلز هاربر".
وفي شهر يوليو من عام 1998 أقام المعهد مؤتمراً دولياً، تحت عنوان "العلم والبحث الروحي" حضره علماء جهابذة من كل أنحاء العالم من جنسيات شتى في بركلي في كاليفورنيا، في ميادين معرفية من البيولوجيا والكوسمولوجيا والفيزياء وعلم النفس والاجتماع والفلسفة والتاريخ، بعضهم من حملة جائزة نوبل.
خصَّص عملاق المال "تمبلتون" ثلاثة ملايين دولار لهذا اللقاء العلمي، ووضع جائزة سنوية بقيمة مليون ونصف مليون دولار مما يجعلها أكبر من جائزة نوبل مالياً، لأفضل بحث اكتشافي في الدين والعلاقات الإنسانية، وعالم الروح وخلود النفس وآيات الله في الآفاق والأنفس، ووضع تحت تصرف المحطة الفضائية (P.B.S) مبلغ 190 ألف دولار للإجابة على أي سؤال حول علاقة العلم بالله.
وهذه الأيام منحت جائزته بقيمة 1.6 مليون دولار لـ"جون بارو" وهو رياضي وفلكي من جامعة كامبردج كتب 17 كتاباً عن أن أفضل فهم للكون على أنها الرؤية الدينية لبناء الكون.
وهكذا تكرم الأمة علماءها كيفما بحثوا ونظروا.