إن الآخر يطالبنا بعدم الإساءة إليه والعمل على تخفيف حدة الاحتقان ضده وهذا أمر مشروع ويجب أن نشجعه ونعمل على تكريس مبادئ الاحترام لمقدساته، إلا أن علينا كذلك أن ندرك أن مشاعر الكراهية للآخر لها أبعادها السياسية التي تشجع البعض منا على تكريس الكراهية والقيام بأعمال العنف المختلفة. وكما نحن مطالبون بانتهاج الوسطية والاعتدال وغرسهما في عقول أبنائنا فكذلك على الآخر إدراك أن تصحيح العلاقة لا يتم من جانب واحد حيث يتطلب الأمر إعادة التفكير فيما يبثه الآخر ضد ثقافتنا سواء العربية أو الإسلامية. فالإعلام الآخر وخصوصا صناعة السينما تعد نبعاً للتحريض ضدنا وتساعد على تباعد المسافات بيننا. فالآخر يحمل بداخله صوراً نمطية عن الشخصية العربية أو المسلمة، وهي نمطية لها ترسباتها التاريخية وإنه دون تصحيح المفاهيم لا يمكننا غرس الوسطية بيننا، بينما الآخر يمارس التحريض ضد ثقافتنا. الآخر الذي يطالبنا بإصلاح نظرتنا هو كذلك مطالب بتصحيح المفاهيم تجاه المسلمين والعرب ولا يمكن لعلاقة أن تعدل من طرف واحد، وعلى سبيل المثال فيلم "سريانا" الذي مثل فيه جورج كوني هو آخر إساءة أنتجتها لنا هوليود لتكرس النمطية ضد العرب والمسلمين.
المشكلة الحقيقية أن هناك شعوراً متبادلاً من الخوف يقود الاستعداد للحوار، فالغرب عليه أن يتحرر من الخوف من الإسلام ويتعين علينا كمسلمين أن نتحاشى التعميم ونظرية التآمر. فالمشكلة أو الأزمة لها أبعادها التاريخية والطرفان يملكان القدرة على تجاوز هذه الأبعاد التي لم يعد لها وجود في عالم الواقع. إذن نحن أمام معضلة حقيقية لا يمكننا أن نحلها من طرف واحد وهي بحاجة إلى وعي بخطورتها على جميع الأطراف، وأنه لا يمكن للعالم أن تستقر أوضاعه في ظل غياب قنوات التواصل والحوار.
الغرب أو الآخر يلجأ إلى التعميم في فهمه للشخصية المسلمة ويقضي على الحقيقة بأن أنفاراً من الخارجين على الإسلام لا يمكنهم مسح تاريخ أمة يصل عددها إلى المليار. إن معاداة الإسلام لا تعني معاداة أمة تمتد من دول جنوب شرق آسيا إلى غرب أفريقيا وهذا يتطلب نظرة أكثر عقلانية في التعامل مع ما تبثه وسائل الإعلام الغربية ضد الإسلام والمسلمين. الخطأ الكبير الذي وقع فيه الغرب أنه اعتبر الأصولية اصطلاحاً مرادفاً للإسلام بينما الأصولية تعود جذورها إلى أسباب تاريخية عديدة لا علاقة لها بالإسلام. كما أن الأصولية الإسلامية لا تمثل رأياً واحداً وإنما لدينا أصوليات متباينة وأحياناً كثيرة مختلفة في منطلقاتها. كما أن الأصولية لم تطلق في بداياتها على المسلمين وإنما أطلقت على الطوائف البروتستانتية في بداية القرن العشرين. فعلى هذا النحو يتحمل الآخر المسؤولية في زيادة مشاعر الكراهية والعدوان الموجه إليه، فالأصولية عندما كانت تحارب الاتحاد السوفيتي عند احتلال أفغانستان كان يطلق على معتنقيها أنهم مناضلون لأجل الحرية.
نحن لا نملك وحدنا تصحيح العلاقة بيننا والآخر مازال يمارس الاستفزاز لمشاعر المسلمين في العالم. إذا كان نفر من المسلمين اقترف أخطاء فادحة بحق الإسلام فهذا لا يعني أن الإسلام معادٍ للحضارة الإنسانية بل كانت للإسلام إسهاماته التاريخية الضخمة، وكما قال جون أسبوزيتو في كتابه "التهديد الإسلامي: خرافة أم حقيقة؟": كأنما خرج الإسلام فجأة من غياهب المجهول ليعلن عن وجوده..! فالإسلام ديناً وثقافة ونظاماً للقيم والأخلاق عاش على مدى أكثر من ألف وأربعمائة سنة.. إن إعادة التوازن للعلاقة مع الآخر تتطلب جهوداً مشتركة وإنه لا يمكننا وحدنا أن نعيد التوازن للعلاقة إذا لم يعترف الآخر بأخطائه بحق الإسلام والمسلمين.