باع الأميركيون العام الماضي دولاراً من السلع إلى الصين مقابل ستة دولارات من السلع القادمة من الاتجاه الآخر. ويرجح اختلال التوازن هذا كفة المؤيدين في الكونغرس الأميركي لفتح مواجهة مع الصين حول العلاقات التجارية. إذ يرى بعض المشرِّعين في واشنطن أن الفجوة التجارية الآخذة في الاتساع –نحو 202 مليار دولار في 2005- باتت تهدد الاقتصاد الأميركي، ولذلك فهم يطالبون الصين بوضع حد لما يسمونه السياسات التجارية الجائرة والإضعاف المتعمد لقيمة العملة الصينية "اليوان".
بيْد أن آخرين يرون أن الخطر الأكبر إنما يكمن في التسبب في حرب تجارية مع الصين، والتي من شأنها أن تلحق أضراراً بالمحركين الكبيرين للاقتصاد العالمي. والواقع أن الدفاع عن هذه المصالح يطرح تحدياً حقيقياً بالنسبة للولايات المتحدة يتمثل في إيجاد التوازن الصحيح بين ممارسة الضغوط والتحلي بالصبر. ويقول "روبرت سكوت"، المتخصص في الشؤون الاقتصادية بـ"معهد السياسة الاقتصادية"، وهو مؤسسة بحثية أميركية ليبرالية، "ثمة قلق قوي لدى الحزبين الرئيسيين إزاء هذا العجز التجاري المتزايد مع الصين، والذي أصبح اليوم يُمثل مشكلة حقيقية".
ويمارس كل من الكونغرس وإدارة الرئيس جورج بوش ضغوطاً قوية على القيادة الصينية. وفي هذا الإطار عُرض على أنظار مجلس "الشيوخ" مقترح قانون تقدم به قبل بضعة أيام كل من تشارلز غراسلي "جمهوري" من ولاية "آيوا"، وماكس بوكاس "ديمقراطي" من ولاية "مونتانا"، يسلط الضوء على عواقب العجز التجاري مع الصين.
وفي غضون ذلك، أرجأ عضوا مجلس الشيوخ "ليندزي غراهام" وهي "جمهورية" من "ساوث كارولاينا"، و"تشارلز شومار" وهو "ديمقراطي" من نيويورك، عرض مقترحهما على التصويت بمجلس "الشيوخ"، والقاضي بفرض ما نسبته 27.5 من التعرفة الجمركية على الواردات الصينية في حال لم ترتفع قيمة "اليوان" الصيني.
هذا ومن المنتظر أن تكشف الأسابيع القليلة المقبلة ما إن كان الطريق الذي ستسلكه الولايات المتحدة سيفضي إلى المواجهة أم الاتفاق بين واشنطن وبكين. حيث يرتقب أن يلتقي الزعيم الصيني "هو جينتاو" الشهر الجاري مع الرئيس جورج بوش، كما ينتظر أن تصدر وزارة الخزينة الأميركية تقييماً عاماً بشأن ما إذا كانت الصين تتلاعب بقيمة عملتها أم لا.
وتعتبر المزاوجة بين الضغوط والصبر في التعامل مع الصين أسلوباً درج على اعتماده المسؤولون الأميركيون في محاولة منهم لإيجاد التوازن في العلاقات الصينية- الأميركية، وذلك بالنظر إلى ما ينطوي عليه الأمر من جوانب اقتصادية وسياسية صعبة ومعقدة، ذلك أن العديد من الشركات الأميركية لديها أنشطة مربحة في الصين ولا ترغب في معاداة بلد يوفر لها آفاق نمو هائلة. ولعل أفضل مثال على ذلك شركة "وول- مارت" التي أعلنت مؤخراً أنها ستقوم قريباً بتوظيف 150000 عامل صيني في إطار توسيع عمليات البيع التي تقوم بها الشركة في الصين خلال السنوات الخمس المقبلة.
وباعتماد بعض المقاييس، فإن الصين ربما تكون منذ الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم. كما يتوقع الخبراء أنه سيكون بمقدورها تجاوز الولايات المتحدة باعتبارها أكبر اقتصاد في العالم بحلول 2040.
ويرى الخبراء الاقتصاديون أن البلدين يجنيان فوائد كبيرة من وراء تعزيز روابطهما، حيث يعود الفضل إلى السلع منخفضة السعر المستوردة من الصين في منح دفعة قوية اليوم للقدرة الشرائية لدى المستهلك الأميركي. هذا دون أن ننسى أن السلع تتدفق في الاتجاه المعاكس أيضاً، حيث سجلت الصادرات الأميركية إلى الصين ارتفاعاً ملموساً السنة الماضية.
وبالفعل، يرى العديد من الخبراء الاقتصاديين أن الخطر الأكبر لا يكمن في العجز التجاري، وإنما في شبح خلاف تجاري قد يفضي إلى ظهور الحمائية من جديد. وفي هذا السياق، قال رئيس شركة "كاتربيلار" جيم أوينز في كلمة ألقاها الأسبوع الماضي أمام المصنعين بولاية إلينوي: "شخصياً لا أستطيع التفكير في طريق أسرع إلى الركود الاقتصادي في العالم من أن ينقلب المحركان الكبيران للاقتصاد العالمي –الولايات المتحدة والصين- أحدهما ضد الآخر". ومما يجدر ذكره هنا أن صادرات الشركة من الآليات إلى الصين ارتفعت بـ40 في المئة خلال السنوات القليلة الماضية، مما ساعد على الاحتفاظ بـ5000 وظيفة في الولايات المتحدة. كما أن الشركة تعمل حالياً على زيادة عمالها بوتيرة سريعة في الصين.
وإذا كانت التجارة والرخاء الاقتصادي أمرين متلازمين على مدار التاريخ، فإن المنتقدين يرون أن الولايات المتحدة لم تقم بما يكفي من أجل الدفاع عن فرص التوظيف للأميركيين ضد الممارسات التجارية الجائرة، وبخاصة في الصين. غير أن إحصاء عدد الوظائف الصناعية التي فقدت بسبب التجارة أمر من الصعوبة بمكان. ويرى العديد من الاقتصاديين أنه حتى في حال قامت الصين بالحد من مساعداتها لتشجيع التصدير وزيادة قيمة "اليوان" بـ25 في المئة، فإن تأثير ذلك على الوظائف في الولايات المتحدة لن يكون كبيراً، لأن الأميركيين قد يلجأون بكل بساطة إلى استيراد المزيد من