على غرار الولايات المتحدة التي يدور فيها جدل حاد حالياً حول موضوع الهجرة، أثارت اختبارات الجنسية التي تم اعتمادها مؤخراً في ولايتين ألمانيتين جدلاً واسعاً بسبب ما تحتوي عليه من أسئلة من قبيل:
- "في نظرك، هل كان منفذو هجمات الحادي عشر من سبتمبر وهجوم مدريد في 2004 إرهابيين أم مقاتلين من أجل الحرية؟"!
- "إذا قال لك أحدهم: "الإعلام الحر ضروري من أجل مجتمع حر" هل تتفق معه أم لا تتفق؟"!
- "كيف تشعر حين يتم انتقاد دينك؟ هل تعتبر ذلك مسموحا؟"!
أما في هولندا، وفي هذه الأثناء، فيجد المهاجرون الجدد أنفسهم ملزمين بأخذ "اختبار الاندماج المدني" قبل عبور الحدود الهولندية. واستعداداً لهذا الاختبار، الذي يُعفى منه مقيمو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يُشجّع المهاجرون على مشاهدة شريط فيديو حول المجتمع الهولندي يضم من بين أمور أخرى صوراً لامرأة عارية تأخذ حماماً شمسياً.
ويرى المسؤولون الحكوميون في كلا البلدين أن هذه الخطوات باتت ضرورية من أجل المحافظة على القيم الثقافية في وقت بدأ فيه عدد من السكان المسلمين المتزايدين يتحدون القيم التقليدية للهوية الأوروبية. غير أن المنتقدين يصفون هذه الإجراءات بالقدحية والمعادية للأجانب، معتبرين أنها تهدف إلى عزل المهاجرين عن غالبية المجتمع بدلا من أن تساعدهم على الاندماج فيه.
في هولندا، لقيت مديرة السجن السابقة ووزيرة الهجرة المتشددة "ريتا فيردونك" تأييد المحافظين الذين أشادوا باختبار الاندماج المدني الذي تم تقديمه في الخامس عشر من مارس المنصرم. ويرمي الاختبار، الذي يُكلف 350 يورو، إلى اختبار معرفة المرشحين باللغة والثقافة والتاريخ الهولندي. ومقابل 64 يورو إضافية يمكن للمرشح الحصول على أسئلة نموذجية للاختبار وعلى شريط الفيديو المثير للجدل. وتقول فيردونك: "إن ما نهدف إليه من وراء شريط الفيديو هو إظهار الهولنديين بطريقة واقعية". أما الولايتان الألمانيتان "هيسا" و"بيدان- فاتمبورغ"، فلم تعرضا أي مواد من هذا القبيل، غير أن نماذج الأسئلة التي تطرحانها في إطار الاختبار موجودة على الإنترنت.
وقد اطلع مسؤولو ولاية "هيسا" على أسئلة الجنسية المستعملة في الولايات المتحدة، واستلهموا منها 100 سؤال في إطار امتحان قال عنه الناقد الأدبي المشهور "مارسل ريتش رانيكي" ساخراً، إنه كان سيواجه صعوبات جمّة لو طُلب منه الإجابة على أسئلة هذا الاختبار. هذا ومن المرتقب أن يصبح الامتحان المقترح قانوناً في وقت لاحق من هذه السنة، فيما يرغب بعض البرلمانيين في اعتماد اختبار مماثل على الصعيد الوطني.
وتركز الأسئلة في الاختبار الذي تضعه ولاية "هيسا" بشكل خاص على الثقافة والتاريخ الألمانيين، حيث يُطلب من المرشحين مثلا ذكر أسماء ثلاثة فلاسفة ألمان، وشرح "عملية الإصلاح التي شهدتها الكنيسة"، ووصف إحدى اللوحات الزيتية المشهورة. وبالمقابل، فإن "اختبار" ولاية "بيدان- فاتمبورغ" عبارة عن حوار يقوم به مستشار في الجنسية مع المرشح. ومن بين الأسئلة التي طُرحت على المرشحين في وقت سابق من هذه السنة مثلا إبداء آرائهم –وفي بعض الحالات رد فعلهم الشخصي- إزاء مواضيع من قبيل عمليات قتل من أجل الشرف، وتعدد الزوجات، والزواج بالقوة، والعنف العائلي، إلخ. وقد لقي الاختبار تنديد المنتقدين وشجبهم، وبات يشار إليه في ألمانيا بـ"اختبار المسلم" لأنه يستهدف المهاجرين المسلمين بشكل خاص.
إلا أن "أليس لويسون- سيمرينغ"، المتحدثة باسم وزارة الداخلية في "بيدان- فاتمبورغ"، تقول: "لدينا كامل الحق في إمعان النظر في من يرغب في أن يصبح مواطِنا ألمانيا". ومن جانبها، رددت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" هذا الاعتقاد قائلة إنه لا ينبغي "الحصول على الجنسية كيفما اتفق". هذا ويعتزم أعضاء في حزب ميركل "المحافظ" أن يقدموا إلى البرلمان هذا الصيف مقترح اختبارات الجنسية من أجل اعتماده على الصعيد الوطني.
ويقول فولفغانغ شوبل، وزير الداخلية الفيدرالي والعضو في حزب ميركل، حزب "الوحدة الديمقراطي المسيحي"، نطلب من كل الراغبين في أن يصبحوا مواطنين ألمان أن يدينوا بالولاء لبلادنا ودستورنا. وهو رأيٌ شاطره "هيريبرت ريتش"، وزير داخلية ولاية "بادن-فاتمبورغ"، الشهر الماضي، لكنه زاد عليه: "لا يمكن لأولئك الذين يرفضون دستورنا وقيمنا أن يصبحوا مواطنين".
وإذا كانت دول أوروبية عديدة تعمل جاهدة على تحديد القيم الأساسية التي ينبغي على مواطنيها التمسك بها، فإن العقبة الوحيدة التي يتعين على ألمانيا التغلب عليها بخصوص تحديد معنى أن يكون المرء ألمانياً هي بقايا النازية. وفي هذا السياق يقول "كلوس بيد"، المتخصص في شؤون الهجرة بجامعة "أوزنابروك": "لم يتمكن الألمان حتى الآن من أن يخلقوا لأنفسهم صورة تجعل المهاجرين يعرفون معنى ألمانيا"، ويضيف قائلا: "وللأمر علاقة بالتجارب السلبية للاشتراكية الوطنية (النازية)، ولكن لا ينبغي أن يمثل ذلك مشكلة".
والحال أن المشكلة في الضاحية البرليني