يروي أحد أصحاب الدم الخفيف أن مدير إحدى الشركات أراد معرفة ما إذا كان موظفوه يخافون من زوجاتهم أم لا، فجمعهم في صف أفقي ثم صاح فيهم: من يخاف من زوجته عليه أن يتقدم خطوة للإمام، فتقدم الجميع عدا واحد منهم. فتعجب المدير منه قائلا: معقولة، إنك لا تخاف!! رد عليه الموظف قائلا: ممكن أتصل بالبيت أستأذن منها، أتقدّم أم لا؟ لماذا يسود الاعتقاد العام بأن الأزواج يخافون من زوجاتهم؟ بل يتمادى البعض في الخليج، ويصف الزوجة بوصف مخيف، "النسرة "، مؤنث نسر!! للإشارة إلى شدة بأسها، واستحالة "منازلتها" في أي شأن، وأن الأزواج يؤثرون السلامة إذا وصل الأمر حد المواجهة.
ومن لطيف ما سمعت أن صديقا سألني: كيف تعرف يا دكتور إذا دخلت الجمعية التعاونية، عدد سنوات الزواج بين رجل وامرأة يتسوقان في الجمعية؟ قلت له: لا أدري. قال: إذا كانا يسيران متلازمين فاعلم أن زواجهما قريب، وإذا وجدت الزوج عند رف المعلبات مثلا، والزوجة عند رف الورقيات، فاعلم أنهما متزوجان منذ أمد بعيد. سألته: وكيف تعرف أنها زوجته؟ نظر إليَّ متعجباً: هل رأيت إنسانا يبتعد عن صاحبته؟ الله يسامحك، دكتور!
وأثرت الموضوع مع بعض الأصدقاء، واستثنيت واحدا منهم لفرط ذكائه لأنه لم يكن متزوجاً رغم بلوغه سن الخمسين!! مؤثرا السلامة في الحياة الدنيا. وكعادة بني يعرب، تعددت الاجتهادات والرؤى واختلفت الآراء ما دام الاختلاف رحمة حتى نتمكن من اختيار الأسهل والأقرب لمنفعتنا الخاصة. لكن خلاصة القول إن الأمر كله يعتمد على التجربة الزمنية، بمعنى أنه كلما زادت المدة الزمنية للزواج، كلما تبين للزوج أن معظم ما يتم التنازع بشأنه لا يستحق النزاع أصلا، وأنه ليس من ضرر التنازل للزوجة لإسعادها. فقال أحدهم: مرة عاملتها بنفس الأسلوب، فقالت زوجتي: "ياخذني على قد عقلي"!! وبالتالي ما خلصت. لكن حقيقة الأمر أن الأزواج الشباب غالبا ما يأخذون الأمر عند النزاع على اعتبار أن أي تنازل مهين للكرامة الشخصية، ولا يعي الإثنان أن كرامة الزوج من كرامة الزوجة، والعكس بالعكس، مما يعني أن مسألة الكرامة لا محل لها من الإعراب في النزاع. فإذا ما أضفنا إلى هذا كله خلو تراثنا العربي من كلمة "آسف" التي تحل معظم المشاكل الحياتية بكل بساطة، والفكر الذكوري المهيمن في الحياة العربية، لتوصلنا إلى حقيقة الخواء الفكري لمشكلة النزاعات الزوجية. بمرور الوقت يتبين للرجل والمرأة أن ليس من الحكمة في شيء إثارة أي نزاع، وإذا حدث فالأمر لا يستحق أن يطول بحجة الكرامة، هذا العذر الواهي، إلا في حالة واحدة فقط، وهي أن الزوج يريد السفر مع أصدقائه، والزعل يوفر له هذه الفرصة، ثم يفعل الغياب والبعاد، مع هدية معتبرة، فعله بعودة المياه إلى مجاريها. ومن يقرأ قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة) يلاحظ عدم ورود كلمة "الحب" التي يتشدق بها كثير من الناس بمعنى وبلا معنى، ذلك أن الود والرحمة هما أساس الحياة الزوجية، وأنهما لا يمكن أن يتلاشيا مع مرور الزمن، بل إنهما يقويان ويتعاضدان في وجه المشاكل والمحن. ولا بأس بإيراد هذه الطرفة:
(أراد رجل أن يمتحن محبة زوجته له، فقال لها يوما: لقد أمرت الحكومة الرجال بالزواج من امرأة ثانية، وأن الإعدام سيكون مصير من يرفض. ما رأيك؟ قالت له: يا رجل، ضيقة القبر ولا ضيقة الصدر، ومثواك الجنة إن شاء الله).