"نعم سيفعل... ولكنه لن يفعل ذلك"، هذا النمط من المشاعر المشوشة مكّن الرئيس بوش من الزج بأميركا في حرب العراق، والتصدي للأسئلة الصعبة حول الأسباب التي دفعته إلى ذلك حتى حلول موعد انتخابات 2004. وسبب تلك المشاعر المشوشة يرجع إلى أن هناك العديد من الأميركيين، الذين لم يريدوا تصديق أن رئيساً أميركياً يمكن أن يقوم عامداً متعمداً بتضليل الأمة في مسائل تتعلق بالحرب والسلام.
والآن نجد أن هناك أناساً لديهم اتصال بالإدارة والمؤسسة العسكرية، يحذرون من أن بوش ربما يقوم الآن بالتخطيط لشن حرب أخرى. وأكثر تلك التحذيرات إثارة للفزع هو ذلك الذي يأتي من "سيمور هيرش"، صحفي التحقيقات المخضرم الذي فجّر فضيحة "أبو غريب". ففي مقالة له مؤخراً يلمح "هيرش" إلى أن مسؤولي الإدارة، يؤمنون بأن القيام بعمليات قصف جوي لإيران، يمكن أن يؤدي إلى نتائج مرغوبة، فيما يتعلق بتغيير النظام في طهران –وأنهم يرفضون استبعاد احتمال استخدام الأسلحة النووية التكتيكية.
"ولكنه لن يفعل ذلك"... هكذا يقول الناس الذين يعتقدون أنهم عقلاء. ولكننا إذا ما أخذنا في حسباننا ما نعرفه الآن عن الأسباب الجذرية للحرب العراقية فإن قيامنا باستبعاد إمكانية قيام بوش الآن بالبدء في حرب أخرى غير مُفكّر فيها جيداً، وغير ضرورية، سيكون أمراً لاعقلانياً بل ويمكن القول إنه سيكون نوعاً من التفكير الرغائبي. والشاهد الآن أن الإشاعات عن الحرب الجديدة تتزامن مع ظهور دليل، يبدو وكأنه يؤكد أسوأ ظنوننا حول الحرب التي نخوضها الآن بالفعل في العراق. أولا: من الواضح الآن، أكثر من أي وقت مضى، أن بوش الذي لا يزال يدعي أن الإدارة لم تلجأ إلى الحرب على العراق إلا كخيار أخير، كان في الحقيقة متعطشاً لخوض هذه الحرب. لقد أكدت "نيويورك تايمز" صحة مذكرة الحكومة البريطانية، التي تناولت مناقشة تمت قبل الحرب بين بوش وتوني بلير. في تلك المناقشة أخبر بوش بلير أنه كان مصمماً على غزو العراق حتى لو خرج مفتشو أسلحة الدمار الشامل التابعون للأمم المتحدة من مهمتهم بوفاض خالية.
ثانيا: من الأمور التي تزداد وضوحاً باستمرار، أن الأسباب التي قدمها بوش لخوض الحرب، أسباب قامت بشكل أساسي على رؤى خيالية وعلى أدلة تعتمد على شكوك وليس حقائق. على سبيل المثال، في خطابه عن "حالة الاتحاد" عام 2003، استشهد بوش بواقعة شراء العراق لأنابيب يورانيوم من النيجر، باعتبارها تمثل دليلاً أكيداً على أن صدام حسين حاول الحصول على ترسانة نووية. مع ذلك فإن "موراي واس" الذي يكتب في مطبوعة "ناشيونال جورنال" يقول إنه قد تم تحذير بوش من أن العديد من محللي الاستخبارات يختلفون مع هذا التقييم.
والسؤال هنا هو: هل كان الفارق بين تصوير بوش العام للتهديد العراقي، والمعلومات الاستخباراتية الفعلية التي اطلع عليها.. كبيراً بدرجة تكفي لإضفاء المصداقية على المزاعم القائلة إنه قام عامداً بتضليل الأمة والزج بها في حرب؟ من الواضح أن "كارل روف" قد فكّر على هذا النحو.
في الوقت الراهن، هناك إشاعات عن خطط للهجوم على إيران. ومعظم المحللين الاستراتيجيين، يعتقدون أن القيام بحملة عسكرية لقصف إيران ستمثل خطأ كارثياً. بيد أن ذلك لا يعني أنها لن تحدث خصوصاً، إذا تذكرنا أن بوش قد تجاهل تحذيرات مماثلة بما في ذلك تحذيرات والده بشأن الأخطار المتضمنة في غزو العراق.
وكما أشار "جوزيف سيرينسوني" الباحث في "منحة كارنيجي للسلام الدولي" في الآونة الأخيرة، فإن الإدارة الأميركية على ما يبدو تتبع بشأن التعامل مع إيران نفس السيناريو الذي اتبعته في التعامل مع العراق. فالذي سيحدث هو على النحو التالي: "يقوم نائب رئيس الولايات المتحدة بإلقاء خطاب رئيسي يركز فيه على التهديد الذي تتعرض له الولايات المتحدة من دولة نفطية غنية في الشرق الأوسط. وبعدها يقوم وزير أو وزيرة الخارجية بإحاطة الكونجرس علما بأن نفس الدولة تمثل أخطر تهديد عالمي يواجه بلاده. وبعد ذلك يقول وزير الدفاع إن نفس هذه الدولة هي الداعم الرئيسي للإرهاب العالمي. وبعد ذلك يقوم الرئيس الأميركي نفسه بتوجيه اللوم لتلك الدولة لقيامها بشن هجمات على القوات الأميركية في مكان ما". لكن لماذا يحتاج بوش إلى حرب أخرى؟ لسبب واحد هو أن الرئيس الأميركي الذي يتم ربط سياسته على نحو متزايد بالورطة العراقية، قد يعتقد أن الوسيلة الوحيدة لرد الاعتبار لنفسه هي من خلال لحظة يقوم فيها جاداً بإعلان أن" المهمة قد أنجزت".
وليس إرث بوش فقط هو المعرّض للخطر. فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن "الديمقراطيين" قد يستولون على أحد مجلسي الكونجرس في انتخابات التجديد النصفي التي ستجرى في نوفمبر المقبل، بل وقد يستولون على المجلسين معاً، مما سيمكنهم في هذه الحالة من القيام بإجراء تحقيقات من خلال استخدام السلطة التي سيخولها لهم تمتعهم بالأغلبية في المجلسين، مما سيؤدي حتما إلى نزع الغطاء عن فضائح إدارة بوش المتعددة. ويشير المحللون السياسيون بشكل علني إلى أن شن هجوم على إيرا