تشير الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي للجزائر, خلال يومي التاسع والعاشر من شهر أبريل الجاري, إلى هواجس بلاده ومخاوفها من تهميش دورها في منطقة المغرب العربي, من قبل القوى الدولية المنافسة لها مثل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. ومما يثير تململ العاصمة الفرنسية باريس, أن دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي, كان قد جاء في زيارة إلى الجزائر في شهر فبراير الماضي, في ختام سلسلة من الزيارات, قام بها كل من مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي, "روبرت إس. مولر", والجنرال "تشارلس إف. والد", نائب قائد القوات الأميركية في أوروبا. أما من الجانب الروسي, فقد زار الرئيس بوتين الجزائر في شهر مارس المنصرم, وكانت زيارته هذه, على قدر كبير من الأهمية على رغم قصرها. والمعلوم أن موسكو كانت تمثل شريكاً استراتيجياً للجزائر, خلال العهد السوفيتي. أما اليوم فقد بدأ الرئيس بوتين يستحث الخطى من أجل الحصول على موطئ قدم لبلاده في منطقة الشرق الأوسط عموماً, لاسيما في إيران والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني, ثم منطقة شمالي إفريقيا. ومما يثير قلق بوتين إزاء الجزائر بالذات, شعوره بابتعادها وتخليها عن حركة عدم الانحياز, واقترابها أكثر فأكثر من المحور الأمني الأميركي. وليس أدل على ذلك عنده, من مشاركتها الأخيرة في التدريبات العسكرية التي يجريها حلف "الناتو".
وفي هذا السيل من الزيارات الدولية رفيعة المستوى إلى الجزائر, ما يدل على اتجاه عيون العالم إليها, لأربعة أسباب رئيسية نلخصها فيما يلي. أولها أن للجزائر كميات مهولة من النفط والغاز, يسهل نقلها وترحيلها إلى الأسواق الأوروبية المجاورة وفي هذا السياق مثلاً جاء إعلان شركة "إديسون" الإيطالية خلال الشهر الجاري, عن اكتشاف حقل كبير جديد للغاز. وجاء هذا الإعلان على إثر اكتشاف آخر, أعلنته شركة "توتال" الفرنسية في شهر نوفمبر الماضي, لحقل نفطي كبير, يقع على بعد نحو 500 كيلومتر جنوبي حقل "حاسي الرمل" العملاق. وثاني أسباب هذا الانجذاب الدولي للجزائر, هو الازدهار الاقتصادي الواضح الذي حققته الجزائر مؤخراً جراء الارتفاع العالمي لأسعار النفط. وتشير التقديرات إلى أن للجزائر فائضاً تجارياً كبيراً, واحتياطياً من العملات الصعبة, يقدر حجمه بنحو 5 مليارات دولار. وبفضل هذا الازدهار, فقد أضحى في وسعها بناء وتأهيل بنيتها التحتية الواهنة, والارتقاء بمستوى معيشة مواطنيها –مع ملاحظة أن ما يزيد على 20 في المئة منهم, يصنفون تحت خط الفقر-, فضلاً عن قدرتها على إنشاء وظائف جديدة, تحد من وطأة البطالة المتفشية في أوساط الشباب العاطلين. هذا وتعد الجزائر من المصدرين الرئيسيين للأسواق الفرنسية, حيث يبلغ حجم صادراتها إلى فرنسا حوالى 22.7 في المئة, أي ما قدر مالياً بحوالى 4.23 مليار يورو في عام 2004. لكن على عكس ذلك, فإن الاستثمارات الفرنسية المباشرة في الجزائر لا تزال متواضعة, إذ تتراوح قيمتها الكلية السنوية ما بين 200 إلى 300 مليون دولار أميركي فحسب. ولكن هناك نحو 100 شركة فرنسية مستثمرة في الجزائر, تستقطب من العمالة المحلية ما يقارب الستة آلاف عامل وموظف جزائري. والشاهد في هذا الجانب, أن في الأسواق الجزائرية اليوم, ما يوفر فرصاً واسعة للاستثمارات الأجنبية عموماً, في عدة مجالات وقطاعات لا حصر لها.
ثالث الأسباب, أن الجزائر وبسبب تطلعها للعب دور أكبر في منطقة الصحراء الكبرى الإفريقية, واستمرار تجاذبها مع المغرب حول ملف الصحراء الغربية, فإنها لفي أمسِّ الحاجة لتطوير وتحديث جيشها ومؤسساتها العسكرية. والمعروف أن موسكو كانت المصدر الرئيسي للأسلحة إلى الجزائر حتى لحظة انهيار الاتحاد السوفيتي, مما ترتب عليه تراكم ديون طائلة عليها. وعلى رغم قصر زيارة بوتين الخاطفة للجزائر, إلا أنها كانت من الطول بما يكفي لشطب 4.7 مليار دولار من الديون الروسية على الجزائر, مقابل إبرام صفقتين لشراء أسلحة جديدة إحداهما بقيمتة 3 مليارات دولار, والأخرى بقيمة 7.5 مليار دولار على التوالي. هذا وقد وصف أحد المسؤولين الروس الصفقتين المذكورتين, بأنهما أكبر وأثمن عقد يبرم مع روسيا ما بعد العهد السوفيتي.
وبهذا نصل أخيراً إلى رابع أسباب هذا الانجذاب والتدافع الدولي نحو الجزائر. ولهذا السبب علاقة مباشرة بحرب بوش الدولية المعلنة على الإرهاب. فأشد ما تخشاه واشنطن, أن يقيم تنظيم "القاعدة" لنفسه قواعد وخلايا نشطة في دول مثل موريتانيا وتشاد ومالي والنيجر, مع العلم بأن جميع هذه الدول, ليست بالضرورة مرضية ومطمئنة لواشنطن, سواء من ناحية قوة الحكومات ونظم الحكم القائمة فيها, أم من ناحية الأداء الشرطي والأمني لأجهزتها الوطنية. وفي سبيل تعزيز دفاعات الدول المذكورة, كانت وزارة الدفاع الأميركية قد أطلقت في عام 2002 ما أسمته بـ"مبادرة دول الساحل". ثم ما أن جاء العام 2004, حتى جرى توسيع تلك المبادرة لتشمل كلاً من تونس والجزائر والمغرب والسنغال, متبوعاً بإطلاق اسم جديد على هذا المشر