تدرس إدارة بوش عدداً من خيارات توجيه ضربة عسكرية إلى إيران, ضمن استراتيجية أوسع لدبلوماسية الإكراه, الرامية إلى إرغام طهران على التخلي عن برامجها النووية المزعومة. ذلك ما قاله بعض المسؤولين والمحللين الأميركيين المستقلين. لكن وعلى أية حال, فإنه ليس من المرجح توجيه ضربات كهذه في المستقبل القريب المنظور. بل يشكك الكثير من الخبراء والمختصين الأميركيين, في جدوى وفاعلية الاستجابة العسكرية للأزمة النووية الإيرانية. على أن مسؤولي الإدارة يمضون قدماً في دراسة هذه الاحتمالات, باعتبارها أحد البدائل الممكنة أولاً, ثم لاستخدامها أداة للضغط على طهران, وتهديدها بمدى جدية الخيار العسكري. ووفقاً لإفادات عدد من المسؤولين الحاليين والسابقين, فإن من الواضح أن مخططي "البنتاغون" ووكالة المخابرات المركزية الأميركية, ينشغلون بدراسة وتحديد الأهداف العسكرية المحتملة, مثل مرفق تخصيب اليورانيوم في مفاعل "ناتانز", وكذلك مرفق تحويل اليورانيوم في أصفهان. وعلى الرغم من احتمال اللجوء إلى أي عمل عسكري بري ضمن هذه الخطط, فإن الضباط والمسؤولين العسكريين, يدرسون الآن عدة خيارات وبدائل أخرى, تتراوح ما بين الضربات الجوية المحدودة, التي تستهدف المرافق والمنشآت النووية الإيرانية الرئيسية, وحملات القصف الجوي المكثف, الرامية إلى تدمير عدد من الأهداف العسكرية والسياسية الإيرانية.
وتكشف كل هذه الاستعدادات الأميركية لخوض مواجهة تظل محتملة مع إيران, عن صعود الانشغال أو الهم الأميركي بطهران, إلى قمة أولويات إدارة بوش, على رغم انغماسها حتى أذنيها في حربها مع العراق المجاور لإيران. وعلى حد تصريحات بعض مساعدي ومستشاري الرئيس بوش, فإن إيران، حسب رأيه، تمثل خطراً أمنياً على الولايات المتحدة, وأنه لابد من التصدي له قبل انتهاء مدة رئاسته، فالاستراتيجية الأمنية الجديدة التي أعلنها البيت الأبيض مؤخراً, تصنف إيران باعتبارها أكبر تحد أمني للولايات المتحدة على الإطلاق.
لكن على رغم ذلك كله, يحذر الكثير من الضباط العسكريين والمختصين, من مغبة الانزلاق في مواجهة عسكرية قريبة المدى مع طهران. ومن رأي هؤلاء أنه ربما تفلح الضربات العسكرية في تأجيل وإبطاء البرامج النووية الإيرانية –تحت أحسن الفروض- غير أنها لاشك ستثير مشاعر غضب المسلمين على امتداد العالم كله, لاسيما داخل إيران نفسها, في ذات الوقت الذي تجعل فيه الضربات, الجنود الأميركيين الموجودين حالياً في العراق, أهدافاً محتملة للرد والانتقام من أميركا.
وفي هذا المعنى قال كوري شيك –الذي سبق له العمل ضمن طاقم الرئيس بوش بمجلس الأمن القومي, ويعمل حالياً أستاذاً بالأكاديمية العسكرية الأميركية- إن مثل هذه التهديدات, لا تعدو كونها جزءاً من الضغوط المتصاعدة على طهران, والقول لها إنه "يجب علينا القيام بما لم تفعليه", في حال عدم انصياعها واستجابتها للضغوط الدبلوماسية. غير أن هناك من يرى في هذه التهديدات والاستعدادات العسكرية الجارية في واشنطن, أكثر من مجرد تهديد وإظهار لـ"العين الحمراء" الأميركية. فمن رأي "كورت كامبل", وهو مسؤول سابق عن السياسات بوزارة الدفاع الأميركية, أن فريق بوش إنما يبحث بجدية مدى إمكانية توجيه ضربات جوية لطهران, بسبب كثرة من يعتقدون أن ضربات كهذه, هي الخيار الممكن والأكثر واقعية في التصدي للخطر النووي الإيراني.
وتأتي هذه المناقشات المكثفة عن جدوى واحتمال سيناريوهات العمل العسكري ضد إيران, في إطار انشغال الولايات المتحدة بالعمل الدبلوماسي المشترك بينها وبين الأوروبيين, بغية إيجاد حل دبلوماسي سلمي للأزمة. وفي السياق ذاته كان مجلس الأمن الدولي قد أصدر بياناً الشهر الماضي, حث فيه طهران على إعادة تعليق برامجها ذات الصلة بتخصيب اليورانيوم. ولكن المشكلة أن روسيا والصين تهددان بممارسة حق النقض "الفيتو" ضد فرض أية عقوبات على إيران, في حال عدم امتثالها للمطالب الدولية. وعلى الرغم من أن مسؤولي واشنطن يواصلون العمل مع الشركاء الأوروبيين والدوليين, على طريق ممارسة الضغوط الدبلوماسية الدولية على طهران, فإن شكوكهم تتعاظم أكثر من أي وقت مضى, في مدى احتمال نجاح هذه الجهود السلمية. علاوة على ذلك, يواجه فريق بوش ضغوطاً متزايدة من جانب إسرائيل, التي تصر على أن طهران أصبحت أقرب مما تتصور واشنطن, من تطوير قنبلتها النووية. وعليه فإن من رأيها أن هذه هي لحظة اتخاذ قرار حاسم بالتصدي لخطرها النووي.
وعلى الرغم من أن تصريحات الرئيس بوش كلها تؤكد تسليط جهود إدارته على العمل الدبلوماسي السلمي في مواجهة الخطر النووي حالياً, فإنه مضى إلى القول أمام منتدى عام عقد في كليفلاند الشهر الماضي, إنه لا يستبعد اللجوء للخيار العسكري, فيما لو أصر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد, على مواصلة تنفيذ تهديده العلني بمحو إسرائيل من الوجود. وفي الإطار ذاته, أجرى بوش استشارات سرية خاصة, مع عدد من كبار أعضاء مجلس "الشيوخ", لها صلة بدراسة كل الخيارات الممكنة, بما فيها تغ