بعد حملة انتخابية أجمع المراقبون على وصفها بالمحتدمة، يتوجه اليوم الناخبون الإيطاليون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في انتخابات ينتظر أن تحدد رئيس وزراء جديد للبلاد. ويتنافس على هذا المنصب رئيس الوزراء الحالي سيلفيو برلسكوني، الثري الإيطالي الذي يمتلك إمبراطورية إعلامية تضم أكبر ثلاث شبكات تلفزيونية في البلاد، والمتقدم في هذه الانتخابات ببرنامج مناوئ للشيوعية ويعد بتخفيض الضرائب.
أما المتنافس الثاني فهو رومانو برودي، أستاذ العلوم الاقتصادية ورئيس المفوضية الأوروبية من 1999 إلى 2004. ويرفع برودي في هذه الانتخابات شعار "من أجل حكومة أكثر جدية"، في تلميح إلى الأخطاء العديدة التي وقعت خلال سنوات حكم برلسكوني الخمس وحالة الركود التي يوجد عليها الاقتصاد الإيطالي حالياً.
ويُعتبر برلسكوني من أقوى حلفاء الرئيس الأميركي جورج بوش وقد بعث بقوات إيطالية إلى العراق تتألف من 3000 رجل. إلا أن المشاركة العسكرية الإيطالية لم تلق تأييداً شعبياً، ما دفع برلوسكوني إلى التعهد بإعادة القوات الإيطالية بنهاية 2006. أما برودي فيقول إنه سيعمل على سحب القوات الإيطالية من العراق "في أقرب وقت ممكن".
ولعل أكبر تحد سيواجه رئيس الوزراء الذي ستحدده هذه الانتخابات هو الاقتصاد، ففي العام الماضي مثلاً لم يسجل الاقتصاد الإيطالي نمواً يذكر، في حين ارتفع عجز الميزانية إلى 4.1 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي، وهو من بين الأكثر ارتفاعاً في أوروبا.
منذ قرابة خمسة أعوام كانت الآمال التي عقدتها جزيرة صقلية على "سيلفيو برلسكوني"، الرجل بالغ الثراء، والذي وعد الناس خلال حملته الانتخابية بخفض الضرائب، وتوفير المزيد من الوظائف، وتحويل إيطاليا إلى دولة تسير دوما إلى الأمام، قد وصلت إلى عنان السماء، وهو ما انعكس على نتيجة الانتخابات التي جرت في ذلك الوقت حيث حصد برلسكوني وحلفاؤه جميع المقاعد البرلمانية في جزيرة صقلية بالذات.
يذكر أن صقلية كانت الوحيدة التي منحت برلسكوني وتحالفه من "يمين الوسط"، أقوى ترحيب ممكن مقارنة بأي منطقة أخرى في إيطاليا، في انتخابات 2001.
ولكن عدم اهتمام سكان صقلية الحالي ببرلسكوني ينتقل صداه الآن إلى مختلف أنحاء ايطاليا، وهناك احتمال كبير لأن يفقد برلسكوني فرصة الفوز بفترة ثانية في رئاسة الوزارة، نتيجة لأن الإيطاليين بشكل عام يعتقدون أن أداء الاقتصاد كان سيئاً. ولا يفيد في تلك الحالة القول بأن برلسكوني لا يرى الأمر بهذه القتامة على الرغم من أن نسبة نمو الاقتصاد الإيطالي عام 2005 تدنت إلى صفر في المئة.
وفي المناظرة الأولى من بين مناظرتين مع منافسه المنتمي إلى تيار "يسار الوسط" "رومانو برودي" تمسك برلسكوني بشدة- بعد أن قدم خليطاً متناثراً من الحقائق والأرقام- بنظرته المتفائلة للأمر. وقد أدت تلك المناظرة إلى تساؤلات حتى بين العديد من أنصاره عن الفجوة بين الكلام الذي يقوله، وبين ما يعتقده معظم الإيطاليين الأكثر فقراً. وهذه الفجوة التي يقول المحللون إنها كلفته خسارة المناظرة، قد تكلفه أيضاً خسارة الانتخابات نفسها.
والعامل الرئيسي في تهاوي شعبية برلسكوني اليوم هو تدني النمو الاقتصادي مع ما يتخلله أيضاً من فترات كساد قصيرة. فمنذ أن تحولت إيطاليا إلى التعامل باليورو عام 2002، ارتفعت الأسعار الخاصة بالسلع التي يستهلكها الإيطاليون بشكل يومي، إلى عنان السماء، تاركةً الإيطاليين يحسون بأنهم قد أصبحوا أفقر من ذي قبل، على الرغم من أن نسبة التضخم قد ظلت منخفضة نسبياً.
فتكاليف الطاقة والإسكان عالية للغاية إلى درجة أن معظم الشبان الإيطاليين يظلون مقيمين في مساكن أسرهم حتى سن الثلاثين لعدم توافر العمل المناسب.
ولكن المشكلة الأكبر هي أن إيطاليا تواصل تأخرها عن جيرانها وتغدو يوما بعد يوم أقل قدرة على الصمود في وجه التحديات الاقتصادية. ويرجع هذا ضمن ما يرجع إلى حقيقة أن تكلفة العمالة في إيطاليا لا تزال عالية، وبالتالي فإن الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي ظلت طويلاً تمثل قاطرة الاقتصاد الإيطالي، أصبحت تواجه مشكلات كبيرة.
والحقيقة أنه لا أحد يشك في أن المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد تتفاقم كثيراً في أماكن مثل صقلية، وهي جزء من الجنوب الذي ظل متخلفاً عن الشمال طويلاً، والذي تصل فيه البطالة إلى نسبة عالية للغاية، كما تنخفض فيه الأجور، بشكل عام، إلى حد كبير.
ويرجع جزء كبير من الصعوبات التي يواجهها برلسكوني الآن إلى حقيقة أنه كان قد رفع بوعوده سقف التوقعات كثيراً، عندما تولى المسؤولية منذ خمس سنوات وهو ما دفع الكثيرين إلى تصديقه بسبب سجله في تكوين الثروات لنفسه وبسبب ما أعلنه حينئذ عن توقيعه لـ"عقد مع إيطاليا" وعد فيه الإيطاليين بأن يحققوا هم أيضا ثروات كما حقق هو ذلك.
أما الآن، فإن الإيطاليين- حتى بين أنصاره- يقولون إن الاقتصاد لم يحقق حتى توقعاتهم القديمة قبل أن يأتي برلسكوني ويقوم برفعها.
يقول السيد "فابيو سكاسيا"، صاحب أحد المشروعات