من المتوقع ارتفاع حاجة الصين لاستيراد كميات كبيرة من النفط الأجنبي, خلال العقود المقبلة. وتشير بعض التقديرات, إلى حاجة الصين لاستيراد ما يزيد على 6 ملايين برميل يومياً, من الشرق الأوسط وحده, بحلول عام 2025. ولهذا السبب, فقد حثت شركات النفط الصينية الخطى, بحثاً عن ترتيبات ثنائية ممكنة, مع حكومات الدول المنتجة للنفط. والشاهد أن بعض هذه الحكومات, ليست على وئام مع الولايات المتحدة الأميركية, ومن بينها السودان وفنزويلا وإيران. وعلى الرغم مما تثيره علاقات الصين الاقتصادية مع هذه الدول, من مشاعر غضب داخل الكونجرس الأميركي, إلا أن الحقيقة الماثلة هي أنه طالما واصلت حكومات الدول المذكورة تصدير منتجاتها النفطية إلى الصين وغيرها من الدول المستهلكة الأخرى, فإنها تسهم بذلك في إجمالي العرض العالمي لأسواق النفط, مما يعني إسهامها في استقرار أسعاره وعدم تعرض تلك الأسعار للارتفاع الفجائي الجنوني.
يشار إلى أن شركات النفط الصينية, قد حصلت على تفويض رسمي, يخولها إبرام صفقات نفطية في مختلف أنحاء العالم. وبالمقارنة مع مثيلاتها من الشركات الغربية, فإنها متحررة من تلك القيود التي تتمسك بها الأخيرة, حيث تفرض عليها القوانين والبروتوكولات السارية, عدم التعامل مع حكومات الدول ذات السجل السيئ في مضمار حقوق الإنسان وحماية البيئة. والملاحظ أن شركات النفط الكبرى الغربية, تتسم بحساسية عالية إزاء الرأي العام الغربي, فيما يتعلق بسلوكها في دول معينة مثل نيجيريا, حيث تثار اتهامات في وجهها بالتسامح مع ممارسات استغلال الفقراء, والمساهمة في تلويث البيئة, حرصاً منها على جني أرباح طائلة من منتجاتها النفطية هناك. وبسبب هذه الانتقادات وغيرها, تبنت معظم هذه الشركات مجموعة من "قواعد السلوك" التي تستهدف الشفافية والفساد بصفة خاصة. وعلى سبيل المثال, فقد أصبح من الصعب جداً على أي شركة نفط أميركية كبرى, المشاركة في أي ترتيبات ربحية مع دولة كالسودان مثلاً, طالما تواصلت أعمال العنف والمواجهات في إقليم دارفور, وطالما ظل من قناعة كل من إدارة بوش والكونجرس الأميركي, أن الحكومة السودانية, هي المسؤول الرئيسي عن القتل والمجازر الدائرة في الإقليم.
وليس مستبعداً أن تتبنى شركات النفط الصينية "قواعد سلوك" مشابهة لتلك التي في الغرب, فيما لو اطمأنت السلطات الصينية وشركات النفط, إلى أن أفضل وسيلة لتأمين حاجة البلاد من النفط في أوقات الشح والشدة, هي المساهمة في خلق أسواق نفط عالمية حرة ومفتوحة. كما يتطلب ذلك اطمئنان الصين إلى أنه ليس في نوايا واشنطن مطلقاً, حرمانها من واردات النفط العالمي, وأنها لن تلجأ يوماً لاستخدام أسطولها البحري العملاق, في الحيلولة دون وصول تلك الواردات إلى السواحل الصينية, في حال نشوب أي نزاع بين بكين وواشنطن حول قضايا محتملة, منها تايوان على سبيل المثال.
أما من الناحية المنطقية, فالشاهد أن لكل من أميركا وواشنطن, مكاسب جمة تحققانها من تعاونهما النفطي, لاسيما ما يتصل منها بواردات النفط الشرق أوسطي. وهذا يعني أن للصين مصلحة كبيرة في المساهمة في حل النزاعات الإقليمية الدائرة في المنطقة, بما في ذلك دعمها للجهود الأميركية الرامية إلى تلك الحلول. لكن وعلى رغم ما في هذا التعاون من مكاسب وفوائد لكلا الطرفين, إلا أن الصين –شأنها في ذلك شأن دول كثيرة أخرى- لا ترى حكمة ولا نفعاً للسياسات الأميركية المطبقة حالياً في منطقة الشرق الأوسط. وطالما استمرت الحرب الدائرة الآن في العراق, وتواصلت أزمة المواجهة النووية مع طهران, فإن المتوقع هو أن تواصل واشنطن وبكين حديثهما عن التعاون النفطي فيما بينهما, دون أن يتحقق من هذا التعاون شيء ملموس على أرض الواقع. وفي غضون ذلك, ستواصل بكين إبرام صفقاتها الثنائية مع كافة الدول المنتجة والمصدرة للنفط, بما فيها تلك التي تثير غضب واشنطن وعدم رضاها عنها.