سؤال يحيّرني: هل غير المسلم كافرٌ؟ فإذا كان كافراً، أفليس الكفر هو العناد والجحود والنكران؟ حسناً، إذا لم يكن المرء مسلماً، وفي الوقت نفسه، لم يعاند ولم يجحد، فهل يبقى كافراً أيضاً؟ وماذا عن الشيطان الذي "كان من الكافرين" رغم أنه كان مؤمناً بالله ورسله وبالبعث، بشواهد من القرآن نفسه، لكنه جحد وأنكر؟.وعليه، هل يمكن القول إن الكافر هو مَنْ سلّم عقله للحق لكن قلبه أبى التسليم؟
إذا كان هذا صحيحاً، فهل يعتبر كافراً مَنْ كان في مجاهل أفريقيا أوغابات الأمازون، ولم يصله الإسلام ليعاند، بل بقي على معتقد آبائه ودين بيئته ضارباً في الأرض سعياً للقوت الذي يتطلب منه الجري كل النهار وشطراً من الليل أحياناً؟ وحتى الذي لا تعوزه الوسيلة ولا يستنزفه السعي، لكنه تجاهل، لا لعنادٍ وجحود، بل سلّم عقله بأن دينه هو الصحيح، كما سلّم عقل المسلم تماماً، فعبد ربه كما تعلّم من والديه ومن بيئته، كما عبد وتعلّم المسلم أيضاً، فكيف نصفه بالكافر رغم أن الأمر أمر تسليم عقل وتقليد وبيئة؟.
والذي تجاوز التقليد والبيئة لكنه توقف بسبب بعض المسلمين الذين لم يفهموا الإسلام فأساءوا إليه، والأمثلة لا تعد ولا تحصى، فهل يعتبر كافراً كذلك؟ ناهيكم عن العقبات التي يضعها بعضهم كربط إسلامه بتغيير الاسم، وهو يعلم أن تغيير الديانة يقابله الموت أو النفور، على الأقل عند المتعصّبين من قومه.
نعم إنْ وَصَله الحق وكانت ظروفه مهيأة ثم أخذته العزة بالإثم أو لمصلحة أو قال هذا ما وجدت عليه آبائي، لم تبق له حجة، لكن الذي لم يعاند، كيف نعتبره كافراً؟ مع ملاحظة أن جميع طوائف الإسلام تدّعي أن إسلامها الأصح والباقون ضالّون مضلّون، فإلى أيتها يلجأ "الكافر"؟
أما الاحتجاج بالآية: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه" فالجواب، كما عند الصادق النيهوم، أن: "كلمة إسلام في لغة القرآن، لا تشير إلى دين واحد، بل إلى جميع الأديان، فالنبي نوح يقول: "أمرتُ أن أكون من المسلمين"، ويعقوب يوصي بنيه: "فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، واليهود والنصارى يشهدون على أنفسهم حين سمعوا القرآن، قالوا: "آمنا بالله، إنه الحق من ربنا، إنا كنا من قبله مسلمين".
لربما يكون القلب السليم المنقاد المحب ناجٍ، والقلب الفاسد المعاند الكاره هالك، أياً تكن المعتقدات المعششة في العقل والتي كان للتقليد والبيئة أكبر الأثر في تكوينها وتشكيلها؟ وإلا ما الأمر الرائع الذي فعله المسلم، فكوفئ بجعله في صلب مسلم أو خُلق في بيئة إسلامية، فخرج مسلماً بالتقليد والبيئة، يدخل الجنة، ولو بعد حينٍ من العذاب، بغض النظر عن عمله؟. وما الأمر الشنيع الذي فعله غير المسلم، فعوقب بجعله في صلب غير المسلم أو خُلق في بيئة غير إسلامية، فخرج غير مسلم بالتقليد والبيئة أيضاً، يكبّ في النار، ويخلّد فيها، دون الالتفات إلى عمله؟