يوم 4 أبريل 2006مرت بالكويت مناسبة سياسية تاريخية، إذ جرت فيها أول انتخابات عامة للمجلس البلدي، تشارك فيها المرأة ترشيحاً وانتخاباً. وقع الحدث التاريخي في منطقة واحدة، بعد أن شغر منصب السيد عبدالله المحيلبي الذي تولى وزارة الشؤون البلدية، فنزل إلى ميدان المنافسة ثمانية مرشحين، بينهم سيدتان: خالدة الخضر وجنان محسن بوشهري. وقد فازت جنان بالمركز الثاني بفارق كبير عن الفائز الأول السيد يوسف الصويلح.
تمثل المهندسة المرشحة السيدة "جنان بوشهري"، حالة استثنائية قليلة التكرار. فبالرغم من حصول رجل على المنصب، كما كان متوقعاً، فإن حيازة "جنان" على المركز الثاني، بل واحتمال أنه كان بالإمكان أن تحصل على أصوات أكبر بكثير لولا تشتت الأصوات، وتحقيقها هذا الفوز في تجربتها الأولى مع العملية الانتخابية، أحدثتا نقلة نوعية في قضية مشاركة المرأة الكويتية والخليجية العربية في المنافسة الديمقراطية. فتوالت التعليقات وردود الفعل التي لا مانع من رصد بعضها في هذه المناسبة الخاصة. الجمعيات والفعاليات النسائية في العالم العربي، رحبت بالحدث، كما رحبت فرنسا وأميركا وبريطانيا، وكذلك الأمم المتحدة بالتطور الجديد!
وتحت عنوان "كويت جديدة"، قالت الصحافية "سحر بعاصيري": "إن الكويت دخلت زمناً جديداً ببدء ممارسة المرأة حقاً حرمته طويلاً، المشاركة في الانتخابات تصويتاً وترشيحاً. الرابع من أبريل 2006 صار علامة فارقة".
واعتبر الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي هذه الخطوة "ستمنح المرأة الكويتية المزيد من المنعة والقوة، وتساهم في تقديم التجربة الديمقراطية الناجحة من خلال الاستفادة من مهارات وقدرات المرأة الكويتية، وتفعيل دورها في مسيرة التنمية والمشاركة في الحياة السياسية".
الإسلاميون الكويتيون انقسمت آراؤهم بين متشمت ومتحفظ، الأمين العام لـ"التجمع الإسلامي السلفي" خالد السلطان اعتبر أن عدم فوز السيدة جنان لا يخلو من دلالة مهمة: "فارق الأصوات بين المركزين الأول والثاني يدل على مدى عدم تقبل المجتمع لترشيح المرأة... وهذا مؤشر على رسوخ ما قدّرهُ الشرع من عدم جواز ترشيح النساء في التوزير والقضاء والإمارة، وإن كان موقع المجلس البلدي ليس من الولاية العامة، إنما هو مؤشر ودليل واضح على عدم تقبل المجتمع الكويتي لما تم فرضه عليه من قانون تشريح المرأة. النتيجة تعد استفتاءً واضحاً ورداً جلياً على القوى الخارجية التي تعمل جاهدة على انحراف المجتمعات الإسلامية عن ثوابتها الشرعية". ولا أدري كيف سيفسر السيد خالد السلطان الأمور في أي انتخابات قادمة تفوز فيها النساء!
مشاركة المرأة في هذه الانتخابات، رغم صغر حجم العملية مقارنة بما سيجري في الانتخابات العامة القادمة في 2007 أو البلدية في 2009، أثارت قضية أخرى على مفترق الطرق بين القانون والشريعة والعادات الاجتماعية، تمثلت في مسألة كشف المنقبة عن وجهها للتحقق من شخصيتها أمام القاضي، التي ينبغي حسمها قبل الانتخابات القادمة. و"للمرة الأولى شهدت لجان الانتخابات في الكويت تعيين قسم خاص للناخبات، تلبية لطلب القوى الدينية والمحافظة، إلا أن اللجان الثلاث التي جرى فيها الاقتراع لم تكن مستعدة للتعامل مع الناخبات المنقبات، إذ امتنعت كثيرات من المنقبات عن كشف وجوههن لرئيس اللجنة من أجل التحقق من هوياتهن، وانصرفن من دون الادلاء بأصواتهن، وتم تلافي هذه المشكلة سريعاً، إذ أمر وزير الداخلية بأن تكشف مندوبات عن المرشحتين على الناخبات المنقبات بمعزل عن اللجنة".
وانتقدت الناشطة والقانونية الكويتية كوثر الجوعان، دور السلطات قائلة إن "الحكومة كانت غائبة تماماً عن الساحة وكأن الانتخابات البلدية أمر لا يعنيها أبداً، رغم أن هذه هي التجربة الأولى لمشاركة المرأة... وإذا كان هذا حالنا أمام 16 ألف ناخبة وفي دائرة انتخابية واحدة، فكيف سيكون الحال في عام 2007 وأمام 200 ألف صوت انتخابي نسائي؟".
صحف يوم الخميس 6/4/2006 التي درست الأرقام والنتائج، لاحظت تدني نسبة المشاركة بشكل عام للرجال والنساء، إذ لم يشترك سوى نحو ثلث المسجلين، 38%، في العملية الانتخابية. ولاحظت كذلك تأثير التوجه الفئوي والقبلي والطائفي في الرجال والنساء على حد سواء. فمثلاً 68% ممن صوتن للسيد الصويلح هن من ناخبات منطقة سلوى التي يشكل أبناء وبنات قبيلة العوازم غالبية سكانها، وكذلك كانت نسبة 63% من أصوات النساء التي حصلت عليها السيدة جنان بوشهري قد حققتها في منطقة الرميثية التي تسكن فيها. و"عليه يتضح أن توجه الصوت النسائي لم يختلف عن توجه الصوت الرجالي والمؤثرات التي توجهه"!
وأخيراً، تبين من الإحصائيات أن الفائز الأول قد نال أصوات أكثر من 3000 من الرجال، وأكثر من 2400 من النساء، فيما نالت السيدة جنان 912 صوتاً رجالياً مقابل عدد أقل بعض الشيء بين النساء، أي 895 فقط.
مشكلة المرأة مع الانتخابات مشكلة عويصة، ربما في كل مكان... بما في ذلك الكويت طبعاً. فالقوانين والتقاليد وعدد كبير من الرجال ضده