لا شك أن الاستثمار في استكمال البنى الأساسية هو مطلب حيوي للاقتصادات الطموحة، لدرجة أن الدراسات الحديثة باتت تربط بين معدلات التحسن في مجال البنى الأساسية من ناحية، ومعدلات الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي للدول من ناحية ثانية. وقد قطعت دولة الإمارات شوطاً متقدماً على درب توفير البنى التحتية، وحققت سبقاً إقليمياً، وباتت تمتلك شبكات من الطرق وأنظمة النقل والاتصالات تضاهي نظيراتها في دول العالم المتقدمة.
ولعل الدليل الأبرز على الأهمية العضوية لشبكات الطرق، يتمثل في ذلك التنافس المحتدم بين الولايات المتحدة والصين على امتلاك الأحدث والأكبر من شبكات الطرق السريعة، حيث ذكرت صحيفة "تشاينا ديلي"، الأسبوع الماضي، أن الصين باتت تمتلك ثاني أكبر شبكة طرقات سريعة في العالم بعد الولايات المتحدة، حيث بلغ إجمالي طول هذه الشبكة في نهاية العام الماضي 41 ألف كلم، ونسبت الصحيفة إلى مدير معهد الأبحاث والتخطيط في وزارة المواصلات الصينية قوله: "إن شق الطرقات وسيلة مثالية للمساهمة في تنمية الاقتصاد الصيني"، واللافت أن خطط تطوير شبكات الطرق تمتلك أفقاً وأهدافاً معلنة حتى عام 2020، تحاول من خلالها الاقتراب من إجمالي الحجم الحالي لشبكة الطرقات الأميركية البالغة نحو 90 ألف كلم.
شبكات الطرق لم تعد إذاً مظهراً من مظاهر الرفاه الاقتصادي، بل تحوّلت إلى مطلب حيوي للنمو والتنافس بين اقتصادات لا تألو جهدا في الأخذ بأسباب السبق والتفوق على الآخرين، ولذا تبدو أهمية الإعلان عن تطوير التركيز على تطوير الطرق ضمن خطة وزارة الأشغال العامة، التي أكدت، على لسان وزيرها معالي الشيخ حمدان بن مبارك آل نهيان، أنها تعكف حالياً على تنفيذ مشروعات للطرق بتكلفة تصل إلى مليار و733 مليون درهم ويتوقع الانتهاء منها نهاية، العام الجاري، وربما تتزايد القيمة المضافة لهكذا خطط ومشروعات في كونها تركز على دعم المناطق النائية وتحسين شبكات الطرق التي تربط بينها بما يهيئ لإلغاء مصطلح" المناطق النائية" من قاموس المفردات اليومية المتداولة مستقبلاً.
وما يؤكد قيمة ما تشهده الدولة من إنجازات تنموية أيضاً، أن هناك رؤية واضحة للمستقبل، وأن هذه الرؤية لا تقتصر على ركائز أو دعامات محددة، بل تتسم بالشمولية والعمل على مسارات متوازية تختزل الزمن وتطوي المسافات. فإلى جانب الاهتمام بالبنى التحتية، والدفع باتجاه نهضة القطاع العقاري والاستثماري، وانتعاش الاهتمام بصناعات واعدة عديدة مثل السياحة والمؤتمرات وغيرها، هناك اهتمام موازٍ ينصبّ على بناء قاعدة معرفية تصهر الأفكار وتعزز الهوية الوطنية، في مواجهة تيارات جارفة من الأفكار والتيارات التي ستطفو على السطح كلما غاصت الأقدام في بحار العولمة، وانخرطت في تياراتها التي تحتوي على فرص واعدة بقدر ما تنطوي على تحديات متعاظمة. وإذا كانت الإمارات تتحدث وتتطلع بتركيز ووضوح إلى ما ينتظرها في محطات الزمن المقبلة من فرص تنموية، فإنها لا تغفل مطلقا دور المعرفة في توليد الفرص واستثمارها، ولذا تمسك الدولة بتلابيب العلم وتطوير التعليم كبوابة حتمية لدخول عالم الغد وتبوؤ المكانة التي تطمح إليها وتحلم بها في عالم مسكون بالحوافز والتحديات.
ـــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث