لا تزال المحاولات العراقية والدولية جارية في العراق للخروج من المأزق السياسي، الذي خلقه رئيس الوزراء المنتهية ولايته، الدكتور إبراهيم الجعفري، بإصراره على عدم سحب اسمه والترشح مرة ثانية لمنصب رئيس الوزراء، وعدم موافقة الأطراف العراقية الأخرى من سنّة وأكراد وبعض العلمانيين والشيعة على إعادة ترشيحه، بسبب فشله في إدارة الحكومة في الفترة السابقة.
فالخلاف بين الائتلاف العراقي من جهة والأحزاب والحركات السنّية والكردية، أوجد وضعاً غير مستقر لم تشهد العراق مثله. فالعمليات الإرهابية في ازدياد مستمر، وكذلك تردي الخدمات، مثل نقص الوقود مع أن العراق بلد نفطي ويملك أكبر احتياطي في العالم بعد السعودية، كما يواجه الشعب العراقي أزمة كهرباء ونقصاً في مياه الشرب الصالحة والنظيفة في بلد يخترقها نهرا دجلة والفرات.
يدعو خصوم الجعفري وبعض حلفائه إلى تنحيته عن منصبه، قائلين إنه لا يمكن أن يحقق الوحدة والأمن المطلوبين. الفرقاء السياسيون في العراق يواصلون اجتماعاتهم لبحث تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، رغم طلب الرئيس جورج بوش من ساسة العراق تسريع المفاوضات المتعلقة بتشكيل الحكومة، ودعا القادة المنتخبين إلى النهوض بأعبائهم.
المشكلة لا تتعلق بشخص رئيس الوزراء، بل تتعداه إلى المواقف المتباينة للأطراف السياسية في العراق، فالشيعة يرفضون أن يسلم الملف الأمني لشخص غير رئيس الوزراء الجعفري، وهو الأمر الذي يرفضه الأكراد الذين يطالبون بأن يكون لرئيس الوزراء نائبان، أحدهما مختص بالملف الأمني. كما أن هنالك خلافات بين السياسيين حول طبيعة المجلس الوطني للأمن الذي تم الاتفاق على تشكيله مؤخراً.
من المسؤول عن تردي الأوضاع الأمنية في العراق وبروز الطائفية والإرهاب والعنف؟ هل هو المحتل الأميركي كما تدعي المعارضة السنيّة والشيعية لوجودهم في العراق؟
القيادة الأميركية أعلنت على لسان وزيرة الخارجية، بأنهم ارتكبوا الآلاف من الأخطاء، لكنهم اليوم يحاولون حث القيادة العراقية على تخطي خلافاتهم والتعجيل في تشكيل حكومة وحدة وطنية. السفير الأميركي في العراق زلماي خليل زادة، أكد أن التحدي الذي تمثله الميليشيات العراقية، التي قال إن ضحاياها من العراقيين يفوقون ضحايا الإرهاب. هل إيران هي المسؤولة؟ الإدارة الأميركية بدأت تعي أن ما قاموا به في العراق قبل وبعد تحريره صبّ في مصلحة طهران، وأن النظام الإيراني من خلال استخباراته هو الذي يتحكم بالأمور في بغداد. وتكشف الأمور بأن "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" و"حزب الدعوة الإسلامية" وبعض الحركات والأحزاب الشيعية حلفاء لإيران، رغم محاولتهم إنكار هذه الحقيقة. فدعوة عبدالعزيز الحكيم للقيادة الإيرانية بالتفاهم مع الإدارة الأميركية لحل مشاكل العراق يضفي الشرعية على التواجد الإيراني في العراق.
نحن نرى أن المتسبب الأول لتردي الأمور في العراق هم السياسيون العراقيون، من أحزاب وحركات وتنظيمات سنيّة أم شيعية. فاتهام الولايات المتحدة أو غيرها من الدول بأنها هي سبب المشاكل في العراق ليس هو الحقيقة. فالسياسيون العراقيون الذين كانوا يقودون المعارضة في طهران ودمشق ولندن وواشنطن، وغيرها من عواصم العالم، والذين رفعوا شعارات الحرية والكرامة والديمقراطية ودولة القانون، تبين بعد أن حرر الأميركان بلدهم، أنهم كذابون ومخادعون وكل همهم الوصول إلى السلطة ومصادرة حقوق الآخرين. بعضهم يرفع شعارات قومية، وآخرون يرفعون شعارات دينية، لكنهم طائفيون، لذلك لا غرابة من عدم توصلهم إلى حلول عقلانية رشيدة تؤكد وحدة شعب العراق وسيادته على أرض موحدة غير ممزقة.
هل سيؤثر الوضع العراقي على دول الخليج العربية؟ حتماً الإجابة نعم. السيناتور الأميركي "ماكين" حذر من أن الفشل في العراق لن يخلف فوضى في العراق فحسب، بل ستمتد إلى كل دول الجوار.
وأخيراً، كيف يمكن إنقاذ العراق من تُجار الشعارات والإرهابيين والمتاجرين بالدين والطائفية؟ الشعب العراقي المنكوب يحتاج إلى مساعدة كل دول وشعوب العالم. المطلوب مؤتمر دولي يضع أسساً جديدة لعراق المستقبل، يتم فيها وضع خطة واضحة لاستقرار العراق من خلال حلّ الميليشيات الحزبية وتعديل الدستور وتقوية الحكومة المركزية لضبط الأمن والاستقرار، وتدشين مشاريع اقتصادية يستفيد منها كل الشعب العراقي، ولن يتحقق ذلك إلا بوجود قيادة عراقية نظيفة بعيدة عن الحزبية والطائفية.