بإنشاء وزارة متخصصة تحت مسمى "وزارة تطوير القطاع الحكومي"، ضمن التشكيلة الوزارية الجديدة، تبدو النية واضحة لإحداث تغييرات جذرية في شكل ومضمون أداء موظفي الحكومة الاتحادية، الذين يبدو أن أداءهم آخذ في التراجع مع مرور الوقت منذ قيام الدولة الاتحادية عام 1971، نتيجة لظروف شتى أهمها الكادر الوظيفي الذي لم يوضع منذ البداية لكي يكون قادراً على التطور الذاتي مع تطور مسيرة الدولة والمجتمع، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى الرسوب الوظيفي ووقوف معظم موظفي الحكومة الاتحادية في مكانهم وعلى الدرجات الوظيفية التي عينوا عليها أول مرة.
إن العديد من المواطنين الذين عينوا كخريجي جامعات في عقد السبعينيات، ولم تحالفهم حظوظهم وارتباطاتهم الوظيفية والمجتمعية، على إيجاد مخارج لأنفسهم للترقي، بقوا في أماكنهم وعلى نفس درجاتهم على طريقة "مكانك سر". إن البعض من هؤلاء لا زالوا على درجة 2/2، والمحظوظ منهم فقط هو الذي استطاع الارتقاء إلى الدرجة التي تليها وهي 2/1، ومن بعدها تسمروا حيث هم ولم يتقدموا خطوة واحدة إلى الأمام.
وقد يقول قائل إن سبب ذلك يعود إلى الموظفين أنفسهم، الذين لم يبدوا أداءً متميزاً يقودهم ويوصلهم إلى الترقية. وربما يكون هذا القول صحيحاً لو أن مقاييس الأداء ومعايير التقييم التي تعكس أداء الموظفين صحيحة وعصرية وواضحة. ولكن الذي حدث بالنسبة لحركة موظفي الحكومة الاتحادية للارتقاء في سلم الدرجات الوظيفية حتى الوصول إلى خط النهاية بالخروج منها إلى التقاعد، لم تكن له صلة بالأداء ولا بالتقييم، إنما ارتبط في معظم الحالات بظروف الميزانية الاتحادية وتوفر الأموال اللازمة فيها لترقية الموظفين، هذا بالإضافة إلى اعتبارات ومعايير أخرى ليس هذا هو المنبر المناسب لطرحها.
والآن وبعد أن أنشئت وزارة متخصصة لتطوير الأداء الحكومي، فإن المطلوب هو قيامها بمراجعات جذرية شاملة. وهذه المراجعة لابد وأن تبدأ من نوعية وطبيعة التجربة التي تم استيرادها في بداية الأمر، لكي تساعد بلادنا على السير نحو إنشاء هيكلها الوظيفي ومؤسساتها الإدارية. وبسبب نقص الكوادر القيادية المتخصصة في تلك المرحلة، وحاجة البلاد الملحة إلى هيكل إداري وبالسرعة الممكنة، لم تتوجه عملية الاستعانة بالخبرات الخارجية إلى أفضل ما هو موجود في العالم المعاصر، بل اتجهت إلى مناطق ثبت من خلال الاستعانة بتجاربها أنها ليست ما نحتاج إليه نحن.
إن دولة الإمارات تسير نحو الأمام بخطوات ثابتة، باتجاه آفاق لن يصل إليها الآخرون في العالم النامي بسهولة وعلى المدى المنظور، لذلك فإن تطوير الكوادر الوظيفية سواء كان ذلك على الصعيد الاتحادي أو المحلي أمر مطلوب وملح جداً، ولكن هذا التطوير يجب أن يتم من خلال الاستعانة بخبرات أكثر تطوراً وعراقة، والعالم اليوم مفتوح أمامنا على مصراعيه لكي نستعين بأفضل المتواجد من خبرات إدارية ووظيفية على وجه البسيطة، وبالتأكيد فإن التجارب المتواجدة لدى أمم الغرب في أوروبا والولايات المتحدة، ولدى بعض أمم الشرق الأقصى كاليابان وربما كوريا الجنوبية، هي أفضل الموجود في عالم اليوم.
وربما يعود السبب في ذلك إلى أن هذه الأمم المتقدمة إدارياً، تعمل بدقة كبيرة في الأخذ بمبادئ الثواب والعقاب، إضافة إلى الإعداد الجيد للكوادر المواطنة لكي تلعب أدوارها كاملة في هذا المجال. فالكوادر الوظيفية المواطنة والمتعلمة والمدربة تدريباً جيداً، هي التي تقود العمليات الإدارية الناجحة في معظم البلاد المتقدمة. وسيرنا في الإمارات في هذا الاتجاه سيشكل خطوة أساسية مهمة في التطوير المزمع إجراؤه في هذه المرحلة. إن هذا يقود بالضرورة إلى الإشارة إلى أن أي تطوير يجري للكوادر الوظيفية والإدارية لابد وأن يكون مرتبطاً بالعملية التعليمية ذاتها، فالتعليم القائم لدينا حتى الآن، أثبت أنه ليس هو المطلوب بالتحديد، وإنما المطلوب هو التعليم المرتبط بعملية التنمية الشاملة وبإعداد الكوادر الإدارية والفنية المواطنة اللازمة لقيادتها والدفع بها إلى الأمام.