نعمان جمعة... هل طُويت صفحة زعماء "الوفد" التاريخيين؟


 


جاءت أحداث السبت الماضي، في مقر حزب "الوفد" المصري، مع ما تخللها من عنف، وخروج للخلافات الحزبية الداخلية من كواليس مقرات لجنة شؤون الأحزاب، إلى قارعة الشارع العريض، لأول مرة، في شكل احتكاكات و"بلطجة" وشجار طليق بالأيدي وبالأسلحة النارية، لتشكل سابقة سياسية وحزبية ترسم الآن علامات استفهام كثيرة على مستقبل الحزب العريق، ومصير زعيمه د. نعمان جمعة، وأيضاً حول مستقبل الحياة الحزبية عموماً في مصر، خاصة أن أحزاباً مصرية أخرى عديدة غير "الوفد"، تعرف هي الأخرى مصاعب كثيرة في ترويج نفسها وبرامجها في الشارع، وتعيش كذلك أزمات مركبة وذات شأن على مستوى القيادة من خلال تجاذب متنامٍ بين الأجيال الحزبية القديمة والجديدة. وإلى جانب التجاذب الحاصل في حزب "الغد"، المنشق أصلاً عن "الوفد"، والذي يقبع رئيسه د. أيمن نور في السجن، بعد إدانته قضائياً بالتزوير، تواجه أحزاب "اليسار" أيضاً كـ"التجمع" و"الناصري" تشققات وتفسخات داخلية واسعة، رسخت هامشيتها السياسية التي تزداد مع مرور الوقت. أما حزب "الأحرار" فقد بلغ درجة من التمزق أصبح معها المتنافسون على رئاسته 15 شخصاً.


وليس هذا كل شيء، فقد أخذت الأحزاب المنشقة والزعامات المضادة تتوالد في مصر، فظهرت "مجموعة شباب الناصريين"، و"حركة 66"، و"شباب التجمع"، و"شباب من أجل التغيير"، و"حركة الوفديين الأحرار"، و"بيت الأمة"، إلى آخر التسميات. ومكمن الجدل الحالي يعود أساساً إلى أزمة التنازع على رئاسة حزب "الوفد"، التي توالت فصولها الأخيرة منذ 18 يناير الماضي حينما قررت الهيئة العليا للحزب فصل نعمان جمعة، الذي تمكن من الحصول على قرار من النائب العام بتمكينه من الحزب، ثم بعد ذلك عقدت جمعية عمومية في 10 فبراير الماضي واختارت المستشار مصطفى الطويل رئيساً للحزب. وثمة حكمان قضائيان الآن الأول لصالح جمعة برفض دعوى محمود أباظة الذي يتزعم "انقلاب" ما يسمى بتيار "الإصلاحيين" داخل "الوفد"، ضد قرار النائب العام. والثاني ضد جمعة حيث قضت محكمة الاستئناف برفض الاستئناف المقدم منه مع اثنين آخرين ضد الحزب ببطلان الجمعية العمومية التي انتخبت قبل خمس سنوات هيئة عليا للحزب، وقررت فصل جمعة في يناير من العام الحالي. ناهيك عن خلافات تتعلق باختيار رئيس جديد للحزب عبر جمعيته العمومية، وتشكيل مجلس إدارة جديد لصحيفة "الوفد" وتعديل النظام الداخلي. كما أن تواضع نتيجة د. نعمان جمعة، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث حلّ ثالثاً، بعد الرئيس مبارك وأيمن نور، صب زيتاً على نار تمزقات الحزب الداخلية.


 لكن، قبل كل شيء، من هو د. نعمان جمعة؟ وما هو تاريخه الحزبي والوطني؟ ولد نعمان جمعة يوم 22 يونيو 1934، في مدينة شبين الكوم عاصمة محافظة المنوفية، لأب "وفدي" ملتزم، عمل طيلة حياته مهندساً زراعياً، وبعد دراسته الابتدائية والثانوية في مدرسة المساعي المشكورة بشبين الكوم، انضم سنة 1948 وهو في سن 14 عاماً إلى لجنة طلبة حزب "الوفد"، وانخرط، كما يقول محازبوه، في التظاهرات المعادية للإنجليز، ولم يكن خالياً من الدلالة اختياره لإكمال دراسته الجامعية في كلية الحقوق بجامعة القاهرة تحديداً، لأن لهذه الكلية مكانة خاصة في قلوب "الوفديين"، فهي ترتبط في ذاكرتهم الحزبية بسعد باشا زغلول ومصطفى النحاس.


وظل نعمان طيلة دراسته الجامعية أحد أنشط طلبة "الوفد. ولئن كان أيد ثورة– بتعبير الوفديين "حركة- 23 يوليو 1952، في البداية، فإن قرار الثورة اللاحق بتنحية محمد نجيب وبإلغاء الأحزاب السياسية، الذي فهم على أنه فصِّل خصيصاً للقضاء على حزب "الوفد" بالذات فلَّ في تأييده لها. وهنا تحول نعمان جمعة كغيره من أعضاء "الوفد" إلى ممارسة معارضة يزيد الشعور بها أو يقل، بحسب مقتضيات الحال، وهوامش المناورة المتاحة أمامهم.


وفي ديسمبر 1956، عندما وقع العدوان الثلاثي على مصر، كان نعمان يعمل وكيل نيابة، ولكنه انخرط ضمن الفدائيين المتطوعين للقتال، ووقع في الأسر بيد القوات الفرنسية. ومع أن هذه الصفحة من تاريخ نعمان جمعة الوطني هي ما يركز عليه أنصاره، في لحظات الجلد الحزبي الصعبة، ما قد يدفع إلى المبالغة، إلا أن ثمة مصادر من خارج "الوفد" تؤيد هذه الأقوال ومن أبرزها ما جاء في مذكرات كمال الدين حسين، كما تحدثت جريدة "الأهرام" في عددها الصادر يوم 26 سبتمبر 1956، عن "بطولة وكيل النيابة نعمان جمعة"، وخصته بإطراء في صدر صفحتيها الأولى والثالثة. وبعد أشهر من الإفراج عنه من أسر القوات الفرنسية، سافر نعمان جمعة إلى باريس لاستكمال دراسته، وهناك حصل على شهادة الدكتوراه في القانون وأقام عشر سنوات متتالية حيث عمل أستاذا في جامعة باريس.


وبعد عودته إلى مصر عاد نعمان جمعة من خلال نشاطه كأستاذ، ثم كعميد لكلية الحقوق في جامعة القاهرة، ومن منزله بحي الزمالك أي