كانت أميركا تتبنى الموقف الإسرائيلي بعدم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية منذ إنشائها، وبقيت على موقفها هذا طيلة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، بل كانت أميركا تعاقب سياسييها لو اتصلوا اتصالاً مباشراً بالفلسطينيين، وقد أقالت أميركا أثناء حكومة كارتر -داعية السلام الآن والرئيس الأميركي حتى عام 1981م- مندوبها الدائم في الأمم المتحدة –أندرو يونغ- يوم التقى ممثل "منظمة التحرير الفلسطينية" في الأمم المتحدة آنذاك –السيد الطرزي- في بيت السفير الكويتي عبدالله بشاره.
تغير الموقف الأميركي، واعترفت أميركا بالمنظمة بعد طول انتظار، وامتدحتها ودفعت بالمنظمة لتوقيع اتفاقية "سلام" في حديقة البيت الأبيض، تراجعت العملية التي وصفت بِأنها "عملية سلام" ولم يبق منها على الأرض شيء يذكر، فحكومة شارون ضربت بالاتفاقية عرض حائط بنته "بمزاجها" أمام صمت أميركا والعالم، وراح "شركاء عملية سلام الشجعان" يضربون كفا بكف وهم يشاهدون العملية تتهاوى أمام أعينهم، وانتهكت إسرائيل الاتفاقية، ولم يحصل الفسطينيون على الأرض، كما لم تحصل إسرائيل على السلام.
فصوت الناخب الفلسطيني لـ"حماس" لأنه لم يعد لديه ما يخسره، فالسلام طار، والحياة من قسوة إلى قسوة، و"فتح" غارقة في الفساد والتشرذم، وكانت أميركا تدرك أن الفلسطينيين سيصوتون لـ"حماس"، ومع هذا أوعزت لإسرائيل بعدم وقف الانتخابات، وبالسماح لفلسطينيي القدس الشرقية بالمشاركة فيها، وهذا يؤشر على أن أميركا سوف تتعامل مع "حماس" عاجلاً أم آجلاً، والمسألة مسألة وقت، وقادة "حماس" يدركون أن اعترافهم بإسرائيل مسألة وقت أيضاً، بعض المراقبين فسروا رسالة وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار إلى أمين عام الأمم المتحدة واستعداد الفلسطينيين للعيش بسلام مع جيرانهم على أنها بالونة اختبار، صحيح أن الزهار نفى هذا الاستعداد على أنه "خطأ مطبعي"، ولكن الرسالة وصلت.
كما أن إدانة "حماس" لـ"الإرهاب" قادمة لا محالة، ولكن التوقيت لا يزال مبكراً، وأميركا لم تلوح لهم بشيء قبل الاعتراف وإدانة العمليات المسلحة بكافة أشكالها. ولكن أميركا لا تجرؤ على إدانة الجدار الفاصل، ولا على استمرار بناء المستوطنات، ولا تدين الإرهاب الإسرائيلي.
"حماس" هي خيار الفلسطينيين، والأكيد أن "حماس" السلطة، لن تكون "حماس" الفصيل المسلح والمؤدلج الذي عهدناه قبل الانتخابات، والزمن وحده كفيل بأن تغير "حماس" من نهجها، شريطة أن يقدم لها العالم -وبالذات الولايات المتحدة الأميركية- ضمانات تحسين حياة الإنسان الفلسطيني الذي يعاني الأمرين.. الاحتلال والفاقة الاقتصادية الخانقة.
هناك فريق في الخارجية الأميركية مكلف "بتحسين صورة أميركا" (هكذا) في العالم العربي- الإسلامي، ويتساءل هذا الفريق دوما: ماذا يمكن أن نفعل لتحسين صورة أميركا في العالم العربي- الإسلامي؟ والجواب معروف: إذا تجرأت أميركا على إدانة إسرائيل ولو جزئياً لبعض سلوكها تجاه الفلسطينيين فإنها سوف تقلب الطاولة على قوى ترى أن أميركا هي سبب مصائبها، وهذا الفريق مخطئ ومصيب في نفس الوقت، مخطئ لأن أميركا ليست قدراً محتوماً، ومصيب لأنه من الصعب جداً الدفاع عن السياسة الأميركية الداعمة بدون حدود لإسرائيل، حتى لو احتلت وقتلت وقصفت وصادرت الأراضي وتنكرت لالتزاماتها تجاه الفلسطينيين.
لست مؤيدا لـ"حماس" -لا فكراً ولا ممارسةً- ولكن على العالم أجمع أن يؤيد القرار الفلسطيني ويحترمه، تماماً مثلما يحترم العالم القرار الإسرائيلي الذي أوصل شارون للحكم.