في ظل الجهود الرامية إلى الحد من الاعتماد على النفط وتحقيق "الاستقلال في الطاقة" الذي بات ينظر إليه باعتباره جزءاً من الأمن القومي، ومضاعفة إنتاج الوقود البيولوجي بحلول عام 2012 انسجاماً مع ما ينص عليه قانون الطاقة الصادر الصيف المنصرم، يجد الكثير من الأميركيين اليوم أسباباً وجيهة للقيام بعمليات حساب معقدة قبل الإقدام على تزويد سياراتهم بأصناف الوقود البديل مثل خليط "الإيثانول".
وحسب استطلاع للرأي أجرته الشهر الماضي منظمة "تحالف مستقبل الطاقة" المستقلة ومقرها واشنطن، فإن حوالي تسعين في المئة من المصوتين -وعددهم ألف- الذين شملهم الاستطلاع أيدوا فكرة استعمال مصادر الطاقة المتجددة لسد ربع الاحتياجات الأميركية من الطاقة بحلول 2025. ويقول "رون كوغان"، رئيس تحرير دورية "السيارة الخضراء" في سان لويس أوبيسبو بولاية كاليفورنيا، "لدينا واقع جديد، وأعتقد أن ذلك قد غير الطريقة التي ينظر بها كثير من الناس إلى السيارات التي يريدون اقتناءها وتشغيلها بشكل يومي".
ومن جانبه، يقول "فريد ماييز"، الذي يقوم بجمع معطيات حول الوقود المتجدد لصالح "إدارة معلومات الطاقة"، وهي مؤسسة شبه مستقلة تابعة لوزارة الطاقة الأميركية، "منذ نحو سنتين كان يبدو أن تجارة الوقود البديل في طريقها إلى الزوال، ذلك أنه لم يكن هناك اهتمام، ولا توجيه ولا محفزات ولا اختراقات كبيرة". والحقيقة أن العقبات ما زالت موجودة اليوم، بما في ذلك العدد غير الكافي من محطات الوقود، والنقص المتوقع في إنتاج الإيثانول، والذي من المرتقب أن يؤدي، برأي العديد من الخبراء، إلى ارتفاع أسعار البنزين الصيف المقبل.
إلا أن الطاقة ما تزال توجد في مرحلة تطور متواصل. ويرى "ماييز" أن المحللين الحكوميين الذي يحاولون إنجاز دراسات استشرافية بالكاد يمكنهم مواكبة جميع الخيارات التي تظهر من حين لآخر. غير أنه في الوقت الذي يسد فيه التهجين الغازي-الكهربائي إحدى الفجوات، ويظل فيه استعمال الوقود الهيدروجيني الهدف المنشود، تُظهر محركات الاحتراق الكلاسيكية مؤشرات صمود قوية. وهو أمر دفع السيارات التي تشتغل بأصناف الوقود البديل إلى الظهور في السوق بوتيرة أسرع من قدرة المستهلكين على استيعابها. وفي هذا السياق، يقول ماييز "الاختيارات كثيرة ومتنوعة". ولنا أن نتأمل: فهناك الديزل البيولوجي المصنوع من الصويا أو أنواع أخرى من النبات، وهناك "الإيثانول السيليلوز" المشتق من الذرة ونفايات عضوية أخرى، وهناك إيثانول "إي 85" الذي لا يحتوي سوى على 15 في المئة من الجازولين، وهناك ما يسمى بالديزل "البترولي" الذي يعد أنظف من الديزل العادي، والذي غدا في الواقع أنظف بفضل تطوير تكنولوجيا جديدة على غرار تلك التي أعلنتها شركة "ديملار كريسلر" الشهر الماضي والمسماة "بلو تك".
ويحكي "ماييز" أنه شارك مؤخراً في مؤتمر سمع فيه لأول مرة عن تكنولوجيا جديدة تعتمد الوقود المستخلص من النبات يمكنها أن "تنتج الإيثانول بكميات كبيرة وكلفة رخيصة، وذلك باستعمال النفايات أو الفحم أو الخشب أو التبن – وباختصار، أي شيء يحتوي على الكربون".
وبرأي عدد من الخبراء، علينا ألا نتوقع من الحكومة الفيدرالية إصدار مرسوم يؤيد بيع نوع محدد من الوقود، ذلك أن العاصمة واشنطن قد تتنحى جانباً وتترك صانعي السيارات في عهدة الولايات. ومما يجدر ذكره في هذا السياق أن هيئة مدعومة من قبل الحكومة الفيدرالية (مجلس البحث القومي التابع للأكاديميات القومية) حثت بقوة أوائل هذا الشهر الولايات على أن تحذو حذو كاليفورنيا التي وضعت معايير محددة للحد من انبعاث الغازات، اعتُبرت في رأي الكثيرين أشد صرامة مما وضعته الحكومة الفيدرالية.
والواقع أن عدداً متزايداً من شركات صناعة السيارات يشترك في سباق الوقود البديل هذا. ولعل أهم مزايا هذا الأمر الحد من التلوث البيئي والتوجه نحو اعتماد مصادر متجددة داخلية. ولكن تنبغي الإشارة مع ذلك إلى أن الخبراء يرون بأن الكلفة المرتبطة بالإيثانول تظل عالية في الوقت الراهن ولا توفر هامش ربح معقول بالنسبة لأطراف سلسلة البيع. وتقول "شيري شايلدارز آرب"، المسؤولة بإحدى شركات صناعة السيارات، "لا نقصد أن نستبدل جميع الجازولين بالإيثانول آي 85، بل ما زلنا نعتقد بأن الكثير من التكنولوجيات وأنواع الوقود البديل يمكنها أن تتعايش جنباً إلى جنب في السوق مستقبلا".
أما "جيم موتافالي"، مؤلف كتاب "القيادة إلى الأمام"، فيرى أنه "لا يوجد نوع من أنواع الوقود البديل المعروفة حالياً يمكنه أن يعوض الجازولين على الأقل في المستقبل القريب"، مشيراً إلى العقبات التي تحول دون تحقق ذلك، ومنها الإنتاج الزراعي غير الكافي من الوقود البيولوجي بهدف التقليل من استهلاك الوقود الأحفوري.
وإلى ذلك، يأمل "موتافالي" أن تواصل شركات صناعة السيارات في العالم تجريب عوامل أخرى مثل المواد المركبة التي تؤدي إلى نقص وزن السيارات دون أن يؤثر ذلك على السلامة. ويضيف قائلاً: "الأمر الوحيد الذي أراه