هناك شيء كبير حدث تواً في أستراليا، يدفعنا لأن نوجه لأنفسنا السؤال التالي: من نحن.. وما هي طبيعة علاقتنا بالآخرين؟
عندما يأتي الأجانب للعمل، أو الحياة، أو لزيارة بلادنا الإسلامية، فإننا نصر على ضرورة قيامهم باحترام تقاليدنا الإسلامية والعربية.
كما أننا نتوقع من العاملين الأجانب في بلادنا بمختلف فئاتهم أن يحترموا عاداتنا الدينية الإسلامية، ونبالغ في ذلك أحيانا حيث نطلب من نسائهم أن يقمن بتغطية رؤوسهن بالحجاب، ونطلب منهم الامتناع عن تناول الطعام علنا في نهار رمضان، والامتناع كذلك عن تناول لحم الخنزير، أو شرب الخمور وما إلى ذلك من أمور.
وفي بلدين من البلدان الإسلامية، يحظر على المسيحيين ممارسة شعائرهم علنا بل ويُحظر بناء الكنائس في الأصل. وفي جميع البلدان الإسلامية تتم معاقبة وطرد أو سجن كل من يتهم بالإساءة لمشاعر السكان في تلك البلاد.
حسناً.. لا ضير في ذلك.. فمن حق المسلمين فرض القيم الإسلامية على شعوبهم، وفي أراضيهم، طالما أنهم يشكلون الأغلبية.
المشكلة هي ما يحدث عندما لا يكون المسلمون أغلبية، كما هي حالتهم في أميركا وأوروبا وأستراليا وبعض بلدان آسيا حيث لا يزيد عددهم على 100 مليون فقط، وسط مليارات من سكان هذه القارات.
هل بمقدور هؤلاء الإخوة المسلمين المهاجرين في الخارج، أن يصروا على تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية على أنفسهم وعلى الآخرين أيضا، حتى في الحالات التي يكون من الواضح فيها أنهم أقلية؟.. وهل بمقدورهم أن يقوموا بتحدي الثقافات العلمانية السائدة في هذه المجتمعات الغربية، أو معارضة رغبة تلك المجتمعات في الفصل بين الدين والدولة؟
هذا في الحقيقة موضوع "وجودي" خطير، لأنه يؤثر على طريقة حياة المسلمين ولأن له تداعيات على ما يعرف بـ"صراع الحضارات". وهناك طائفة أسئلة يمكن طرحها في هذا السياق منها مثلاً: هل يمتلك المسلمون الحق في بناء المساجد في الدول العلمانية، أو القيام بتعليم القرآن أو دعم المدارس الدينية فيها؟، وهل يجب أن يكون للرجل المسلم الحق في أن يتزوج أكثر من امرأة في أميركا وروسيا وأوروبا والصين؟ هل يستطيعون فرض أحكام "الحدود" مثلاً هناك؟
وهل يمكننا أن نعتبر قبول المسلمين المتدينين للإعانات الاجتماعية، والمنافع الصحية، أو المساكن المدعومة من قبل الحكومات العلمانية مثل الحكومة الهولندية أو الفرنسية على سبيل المثال، سلوكا سليما من الناحية "الأخلاقية".
إنني لا أتساءل عما إذا كان قيام المسلمين بذلك يمثل سلوكا يمكن اعتباره "ذكيا" أو "عمليا" وإنما أتساءل: هل من حق المسلمين أن يقوموا بطلب، واستلام مثل هذه المنافع في أرض "غير المؤمنين"؟
وفي الوقت الذي تتعدد فيه الحوادث التي يمكن اعتبار أنها تندرج في صراع الحضارات، فإنني أعتقد أنه يتوجب على "العلماء المسلمين" الذين يسارعون بإصدار الفتاوى في القضايا المتعلقة بالقتل والجنس أن يفكروا ملياً في العديد من المسائل الأكثر تعقيدا، وأن يبينوا لنا حقا فيما إذا ما كانوا "علماء" أم لا؟
من حيث الجوهر، يتلخص الأمر برمته في آرائنا عن الآخرين، وعما إذا كنا نعتقد حقا أن الآخرين لهم حقوق أم لا؟، وما إذا كان الإسلام دينا يمكنه التواجد في بيئة علمانية، دون أن يتسامى على ما عداه، وخصوصا فيما يتعلق بالقوانين المدنية في الديمقراطيات الغربية؟ يعيدنا هذا مرة أخرى إلى موضوع أستراليا. في الأسبوع الماضي استدعى رئيس الوزراء الأسترالي المحافظ "جون هوارد" إلى مكتبه مجموعة كبيرة من العلماء المسلمين التابعين للجالية الإسلامية التي تعيش في تلك القارة وأعطاهم إنذاراً نهائياً. قال لهم إن أستراليا -وهي أرض مهاجرين في الأساس- تطلب "الولاء الكامل" من جميع المقيمين -سواء كانوا حاصلين على المواطنة أم لا- للدستور الأسترالي العلماني وليس لأي قانون آخر من القوانين السائدة في البلدان التي جاء منها هؤلاء المهاجرون. وشدد جون هوارد على أن القانون المدني الأسترالي هو القانون الوحيد في البلاد وليس هناك قانون غيره.
وخوفاً من أن يكون ما قاله غير واضح بالشكل الكافي.. فإن خليفته، وزير المالية الحالي "بيتر كاستيلو" أضاف إلى ما قاله رئيس الوزراء إنه يتوجب على العلماء المسلمين الالتزام بالقوانين العلمانية، وإنهم إذا لم يفعلوا ذلك فعليهم مغادرة أستراليا. وقال لهم بالحرف: "إذا لم تكن القوانين الأسترالية هي قوانينكم فإن أستراليا لن تكون هي وطنكم". وقد تعمدت الحكومة أن يتم تصوير اللقاء مع علماء المسلمين من قبل جميع وسائل الإعلام الأسترالية.
وعقب الاجتماع، صدرت احتجاجات من المسلمين، زعم فيها البعض أن قوانين الشريعة بالنسبة لهم تأتي قبل القانون الأسترالي، وهو ما يقود إلى التفكير في بعض الأمور.
لقد وجهت هذا السؤال للعديد من الأصدقاء والمعارف من المسلمين.. ووجدت أن العديد منهم، حتى من المتعلمين تعليماً عالياً، قالوا إن الإسلام له وضعية خاصة تتسامى على جميع الأديان. وأنا واثق من أنهم صادقون، وأنهم يعتقدون في قرارة أنفسهم أن ذ