تبدي الولايات المتحدة اهتماماً متزايداً بتجميل صورتها في العالم. جاء هذا الاهتمام في ضوء دراسة استقصائية قامت بها مؤسسة "بيو" الأميركية لحساب البيت الأبيض. يمكن إيجاز النتائج بعبارة واحدة أوردتها الدراسة نفسها وهي أن "ظاهرة العداء لأميركا هي الآن أعمق وأشمل مما كانت عليه في أي وقت في التاريخ المعاصر".
والسؤال لماذا؟.
يمكن الإجابة على هذا السؤال بفقرة واحدة من مذكرات الجنرال الأميركي "سميدلي بتلر" يعرض فيها أهم الإنجازات التي حققها لبلاده من خلال المهمات التي قام بها كجنرال في البحرية الأميركية.
يقول الجنرال ما ترجمته حرفياً:
في عام 1903 ساهمت في تطويع هندوراس (إحدى دول أميركا الوسطى) لحساب شركات الفاكهة الأميركية. وفي عام 1914 ساعدت في تحويل المكسيك إلى مكان آمن لمصالح النفط الأميركية. كما ساعدت في جعل هايتي وكوبا مكانا لائقاً لـ"الأولاد" في بنك "ناشيونال سيتي" من أجل جمع العائدات. وساعدت كذلك في اغتصاب (والكلمة له) نصف دزينة من دول أميركا الوسطى لمصلحة وول ستريت (شارع المال والبورصة في نيويورك).. وبين عامي 1909- 1912 ساعدت في تطهير (والكلمة له أيضاً) نيكاراغوا لمصلحة المؤسسة المصرفية الدولية "براون اخوان". وفي عام 1916 ربطت العلاقة بين جمهورية الدومينيكان ومصالح السكر الأميركية. أما في الصين فقد عملت حتى تتمكن شركة ستاندرد أويل الأميركية من المضي قدماً دون أي ازعاج".
من هنا، فإن مشاعر العداء للولايات المتحدة في أميركا الجنوبية هي أشد وأوسع منها في أي مكان آخر في العالم. فقد بينت الدراسة أن 11 في المئة فقط من المكسيكيين ينظرون بإيجابية إلى النفوذ الأميركي. وليس في ذلك ما يثير أي استغراب. ذلك أن المكسيك خسرت ما يعادل نصف مساحتها في حروب 1846- 1848 مع الولايات المتحدة. ومن جملة ما خسرته ولايتا كاليفورنيا وتكساس. ومنذ استقلال كوبا، قامت الولايات المتحدة بثلاثين عملية عسكرية في العقود الثلاثة الماضية في دول البحر الكاريبي، أي بمعدل عملية واحدة في كل عام!!
تؤكد هذه الاستنتاجات دراسة أخرى أجرتها مؤسسة بريطانية لحساب التلفزيون البريطاني "بي.بي.سي". فقد بيّنت هذه الدراسة أن جاريْ الولايات المتحدة ينظران إليها بسلبية أيضاً، 60 في المئة من الكنديين و57 في المئة من المكسيكيين. ومن المثير أن اعلى نسبة من السلبية تجاه الولايات المتحدة هي في ألمانيا 64 في المئة، وليس في فرنسا حيث تبلغ 54 في المئة.
أما بالنسبة للعالم العربي والإسلامي فإن دراسة مؤسسة "بيو" الأميركية تؤكد أن المشكلة الوحيدة التي تسيء إلى العلاقات الأميركية مع العرب والمسلمين تتمركز في القضية الفلسطينية وفي الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل. وتقول إن هذه المشكلة التي بدأت أثناء حرب الأيام الستة في عام 1967، بلغت مستويات قياسية بعد 11 سبتمبر 2001.
واستناداً إلى هذه الدراسة فإن أبشع صورة للولايات المتحدة في العالم أجمع هي صورتها في العالم الإسلامي.
هنا يبرز أمران مثيران للجدل والاهتمام:
الأمر الأول هو الاعتقاد الأميركي بأن مصدر كراهية الولايات المتحدة يعود إلى فشل العرب والمسلمين عموماً في التطور والنمو وفي إقامة أنظمة ديمقراطية حرة أكثر مما يعود إلى الدعم الأميركي لإسرائيل.
أما الأمر الثاني فهو الاعتقاد بأن الشعور بالكراهية موجه إلى الرئيس جورج بوش شخصياً وإلى إدارته، أكثر مما هو موجه إلى الولايات المتحدة.
إذا كان يحق للولايات المتحدة أن تغزو العراق تحت شعار "الحرب الوقائية"، وإذا كان يحق لإسرائيل أن تغزو الضفة الغربية وغزة تحت هذا الشعار، فلماذا لا يحق لروسيا أن تغزو جورجيا؟.. ولماذا لا يحق للهند أن تغزو كشمير؟.. ولماذا لا يحق لاندونيسيا أن تغزو تيمور الشرقية؟.. ولإثيوبيا أن تغزو أريتريا؟.. وللصين أن تغزو تايوان؟ ولتركيا أن تغزو قبرص؟..
إذا كان يحق للولايات المتحدة أن تتجاوز الأمم المتحدة وأن تضرب عرض الحائط بالمواثيق والقوانين الدولية، فلماذا يتحتم على بقية دول العالم أن تحترم المنظمة الأممية وأن تتقيّد بما نصّت عليه شرعتها؟.
إذا كان يحق للولايات المتحدة أن تكون هي مصدر الشرعية لما تصدره من أحكام بحق الآخرين سواء لجهة حقوق الإنسان أو لجهة الحريات الدينية. وإذا كان يحق لها أن تقرر الإجراءات والأعمال التأديبية أو العقابية ضد هذه الدولة أو تلك، فلماذا لا يكون للدول الأخرى الحق نفسه؟..
صحيح أن الولايات المتحدة هي أقوى دولة في العالم. ولكن هل إن ذلك يعطيها صلاحية فرض النظام العالمي كما تشاء؟ ومتى تشاء؟. وهل أصبحت القوة العسكرية مصدراً للشرعية الدولية وأساساً للحق الوطني؟
لقد أثبتت تجارب التاريخ الإنساني الطويل أن العنف لا يحلّ مشكلة. لم تتمكن ألمانيا الهتلرية من أن تفرض النازية على أوروبا. ولن تتمكن الولايات المتحدة التي فشلت في إسقاط كاسترو في كوبا من أن تربح الحرب على الإرهاب بالإرهاب، ولن يتمكن الإسرائيليون رغم سلسلة المجازر التي ارتكبوها والتي يواصلون