عكست النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات البرلمانية لـ"الكنيست" السابع عشر والتي جرت في الثامن والعشرين من مارس الماضي مدى الأزمة الشاملة والمستفحلة في إسرائيل. فنسبة التصويت العامة بلغت (63.2%) ولم تتعد (56%) بين الناخبين العرب. وفي الحالتين، فهما –بالتتابع- أكثر نسبتين انخفاضاً في تاريخ الدولة العبرية منذ قيامها. وهذا الانخفاض بالمشاركة في العملية الديمقراطية الانتخابية في إسرائيل، يعكس مدى عدم ثقة أوساط واسعة في المجتمع الإسرائيلي بالأحزاب وخاصة بسياساتها في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويبدو أن نتائج هذه السياسات أدت إلى حالة من الإحباط واليأس لدى أوساط واسعة لم تقتنع بأن مساهمتها في الانتخابات ستؤدي إلى تغيير جذري في سياسة الحكم المرتقب. وتعتبر النسبة العالية للذين لم يشاركوا في الانتخابات وصمة بالنسبة لجميع أحزاب سلطة الاحتلال والتوسع الإسرائيلية التي لم تترك أملا للشعبين في الوصول إلى "السلام المنشود" الذي طال انتظاره. ومن النتائج التي تم تحليلها، يتضح أن هذه الانتخابات تركزت حول الاقتصاد والوضع الاجتماعي المتدهور أكثر من الأمن الوطني. فحزب "كاديما" الذي فاز بـ(29) صوتا فقط، أي أقل من المتوقع بأكثر من ثمانية أصوات، بنى برنامجه الانتخابي على أساس الحل المنفرد وضم جميع المستعمرات/ "المستوطنات" الضخمة التي بنيت حول القدس بالإضافة إلى جعل منطقة الأغوار منطقة عازلة. إلا أن القضايا الاجتماعية والاقتصادية هي التي حازت اهتمام الناخبين. وهذا واضح من النتيجة التي حققتها الأحزاب التي ركزت عليها.
كانت المفاجأة الأولى صعود حزب المتقاعدين الذي ركز في دعايته الانتخابية على المطالبة برفع المعونات الاجتماعية للكبار في السن. وهذا الحزب الجديد (الذي أسسه رافي إيتان) حصل على سبعة مقاعد، علما بأنه لم يكن له أي نائب في "الكنيست" السابق. وهذا الحزب تعبير عن احتجاج اجتماعي كان دافعه لخوض الانتخابات تردي الوضع المعيشي للمسنين والمتقاعدين بسبب سياسة التقليصات التي انتهجتها حكومة شارون/ نتانياهو/ بيريز التي خفضت مخصصات الشيخوخة والتقاعد بنسبة (45%) وأدت إلى التحاق عديد المتقاعدين بقوافل الفقراء الذين يتزايد عددهم باستمرار. أما حزب "العمل" الذي جاء تركيزه أكثر على النواحي الاجتماعية والاقتصادية منها على مواقفه السياسية، فقد حصل على (19) مقعدا وكان الرابح الثاني بعد "كاديما". وحزب "شاس" خاض أيضا الانتخابات على أساس برنامج يدعو لاستعادة الفوائد الاجتماعية التي فقدها الإسرائيليون نتيجة للسياسة المتقشفة لبنيامين نتانياهو وزير المالية السابق في حكومة شارون، فحصل على (12) مقعدا. وهذه الأحزاب الثلاثة المجتمعة الفائزة بـ(38) مقعدا في "الكنيست" ستشكل "كتلة اجتماعية" مصممة على مواجهة عدم المساواة وازدياد الفقر في إسرائيل أكثر من تركيزها على القضايا الأمنية التي يبدو أنها انزلقت إلى الدرجة الثانية من الأهمية بالنسبة للشعب الإسرائيلي. ويعكس صعود العنصر الاقتصادي إلى الواجهة في هذه الانتخابات قوة رد الفعل السلبية تجاه السياسات التي اتبعها وزير المالية السابق نتانياهو والمتعلقة بالخصخصة والتقشف.
كذلك، من أهم نتائج هذه الانتخابات انتهاء سيطرة اليمين المتطرف على السياسة الإسرائيلية التي استمرت ثلاثين عاما. فقد تضرر حزب "الليكود" كثيرا إذ لم يحصل إلا على أحد عشر مقعدا في "الكنيست" متراجعا بذلك من المكان الأول الذي حظي به في الانتخابات السابقة (40 مقعدا) إلى المكان الخامس في هذه الانتخابات أي بعد "كاديما" (29) مقعدا، و"العمل" (19) مقعدا، و"شاس" (12) مقعدا. ويعتبر إضعاف حزب "الليكود" مؤشرا إيجابيا، لأن هذا الحزب اليميني المتطرف قد يكون مصيره الاختفاء تماما من الساحة السياسية الإسرائيلية، وخاصة أن الخلافات بدأت تدب بين أقطابه ومحاوره المختلفة. والأهم من ذلك، تجاهل نتانياهو المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وازدياد نسبة الفقر في البلاد وركـّز في برنامجه الانتخابي على سياسة متطرفة معادية للحقوق الوطنية والشرعية للشعب الفلسطيني، وعارض الانسحاب من أي مستعمرة/ "مستوطنة" من الأراضي المحتلة، ورفض إقامة دولة قابلة للحياة للفلسطينيين في الضفة وغزة، على أمل كسب المزيد من المقاعد في "الكنيست"!! كما أنه توقع أن يكون باستطاعته تشكيل حكومة ائتلافية من بعض الأحزاب الصغيرة الفاشية التي تشاركه آراءه المغرقة في التطرف. ولكن نتائج الانتخابات شكلت صفعة قوية لنتانياهو ومخططاته. بل إن جميع الأحزاب اليمينية والدينية التي قد تشارك نتانياهو أحلامه وفاشيته جزئيا أو كليا لا تستطيع مجتمعة حشد سوى ما يقرب من (50) مقعدا وهي بالتالي غير قادرة على تشكيل ائتلاف يحكم البلاد لينفذ مخططاته.
أما حزب "ميريتس" برئاسة الوزير السابق "يوسي بيلين" فقد حافظ على تمثيله السابق البالغ خمسة مقاعد. ويعود السبب في عدم تحسن وضعه التمثيلي في الانتخابات الحالية إلى عدم ثبات مواقف هذا الحزب السي