هل من الممكن وجود الدواء الناجع للداء العربي الذي يزداد استفحالاً؟ هذا هو السؤال الذي يجب على أجهزة الإعلام العربية وكذلك أدمغة المفكرين التركيز عليه. ويبدو أن هذا الداء من الشراسة بحيث إن كل خطوة عربية تكشف عنه، بل تدعم أركانه. وهذا ما حدث بالضبط مع انعقاد القمة العربية الثامنة عشرة في الخرطوم مؤخراً. فالقمة -ولنقلها صراحة- فشلت.
أول عوامل الفشل بالنسبة لهذه القمة على الأقل هو عدم جدية بعض الزعماء العرب، حتى فيما يتعلق بأشياء بسيطة. وثاني عوامل الفشل، هو هذا الكم الهائل من البنود على جدول الأعمال، وطبقاً لبعض مصادر الجامعة العربية، فإن هناك تقدماً في هذا الصدد، فقد انخفض عدد البنود المدرجة من أكثر من 150 إلى أقل من 30 بنداً! وقد يختلف الكثيرون بالنسبة للعدد النهائي طبقاً للطريقة التي يتم بها هذا التعداد، كما قد يقول قائل إن عدد البنود يرجع أساساً إلى كثرة المشكلات والتحديات التي تواجه المنطقة العربية حالياً... إلى غير ذلك من الأسباب المنطقية. ولكن من الصعب أن تتسم القمة بأية مصداقية إذا أصرت في يوم واحد على معالجة حتى ثلث هذه البنود، وبعضها يحتاج إلى أيام وعمل جهيد. فهناك على جدول الأعمال البنود شبه الدائمة مثل الصراع العربي- الإسرائيلي، مشكلة العراق، الخلافات العربية-العربية... ثم تضاف إليها بنود جديدة مثل مشكلة دارفور مثلاً وما لها من آثار على تقويض أسس الدولة في السودان أو غيرها. ولذلك فإن كثرة البنود -وخاصة المُعقدة والمتشعبة منها- يؤدي إلى عدم دراستها بجدية، وبالتالي عدم وضع حلول لها. والنتيجة هي زيادة عدد المشاكل من مؤتمر إلى آخر، وإضافة الجديد إلى القديم المتراكم والمستفحل، وتتمكن "ثقافة العجز"، بل تزداد من مؤتمر قمة إلى آخر، وتكون النهاية هي قبول الفشل كنتيجة طبيعية، بل إدمان هذا الفشل. وفي الواقع فإن هذا الداء يُعتبر في أية مؤسسة من أكبر الأخطاء ليس فقط لأنه يصعب استئصاله في المدى القصير أو حتى المتوسط، بل لأنه مُعدٍ وينتشر كالنار في الهشيم، ليقضي على كل بذرة طيبة. باختصار هو أكثر من سرطاني ويؤدي بالمؤسسة إلى فقدان المناعة والهزال المتزايد ثم الموت البطيء.
والكلام عن المؤسسة وفقدان مناعتها يجرنا منطقياً إلى الكلام عن السبب الثالث في فشل القمة، برأينا، أي الجامعة العربية نفسها، وللإنصاف فإن هناك حيرة بين المحللين عما إذا كانت الجامعة هي انعكاس للداء العربي أم أنها من أسبابه وأسسه؟ وبصراحة فأنا أميل إلى الرأي الثاني، فالجامعة من أقدم المنظمات الإقليمية، وفي الواقع تم إنشاؤها قبل الأمم المتحدة وبعضوية سبع دول فقط، أي أقل من ثلث الأعضاء الحاليين. ومن المحتمل أن الجامعة في بداية حياتها كانت مكبلة بتناقضات ومشاكل المنطقة والدول التي أنشأتها، ولكن كان من الممكن بعد ذلك أن تساهم في تخفيف وطأة هذه المشاكل إن لم يكن حلها، وإقامة ثقافة عمل تعتمد على مواجهة المشاكل وتأسيس أسلوب مهني عقلاني في مواجهتها. لم يحدث هذا البتة، بل عكسه تماماً، وأصبحت الجامعة مرادفاً لعدم الكفاءة والاستهلاك المحلي والشعارات الكاذبة.
وبدلاً من إضفاء الجدية على العمل العربي أو تعرية المسؤولين عن التدهور، هربت المؤسسة إلى زيادة أجهزتها حتى أصبحت سرطاناً بيروقراطياً، وتزامن مع هذا التوسع البيروقراطي تدهور في الأداء.
ما هو المخرج إذن؟ قد يكون هذا موضوع مقالة قادمة، ولكن الخطوة الأولى هي مواجهة أسباب الفشل الثلاثة السابق ذكرها، مواجهتها بجدية وحزم، ولتكن هناك خطة تقييم محددة التوقيت، ولتبدأ بتقييم كل قمة سابقة قبل بداية القمة الجديدة، ثم عمل كشف حساب لما تحقق ولم يتم إنجازه، ثم تحليل أسباب الإخفاق والإنجاز كبندٍ أول في أجندة القمة الجديدة، ولنهدف ليس إلى تراكم المشاكل وهبوط المعنويات، بل تراكم الإنجاز لكي يعود الأمل قبل أن يختفي إلى غير رجعة.