يظلُّ الرجل صنيعة المرأة في كل زمان وبأي مكان، فهي تخرجه من رحمها، وتهدهده في أحضانها، وتحيطه بالرعاية إلى أن يبلغ طور الرجولة، التي تؤهله لمواجهة معترك الحياة، لذا تعتبر المرأة العنصر الرئيسي في بناء شخصيات أبنائها. ومهما تكالبت عليها الأعراف العقيمة من كل حدب وصوب، لتقلل من إنجازاتها، أو تنتقص من قدرها، أو تحط من شأنها، تبقى المرأة وحدها، القادرة على ضرب الدفوف، وشق الجيوب، متى رغبت في ذلك. وهو ما حدا بالمجتمعات المتحضرة أن تأخذ على عاتقها، وضع المرأة في مكانتها الصحيحة، وسن قوانين وضعية تحمي حقوقها، بعد أن عانت قرونا طويلة من تعسّف مجتمعاتها بحقها، ومن نظرتها الدونية لجنسها البشري.
لفت انتباهي في الآونة الأخيرة، خبران يخصان المرأة، الخبر الأول، تكريم أمهات وزوجات المبدعين في مصر، وتأتي في مقدمتهن والدة كل من الدكتور أحمد زويل العالم المصري، ووالدة الدكتور محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة، اللذان حصل كل منهما على جائزة نوبل.
الخبر الآخر، ما أثارته الكاتبة منى حلمي، ابنة الكاتبة المثيرة للجدل دوما بكتاباتها، ورواياتها، الدكتورة نوال السعداوي، من خلال مقال نشرته في مجلة مصرية، يتضمن قرارها بحمل اسم أمها نوال عوضا عن أبيها، مبررة هذا التصرّف بأنه تكريم لأمها، وحق طبيعي، لأن كل فرد على وجه الخليقة سيُنادى باسم أمه يوم القيامة، كما هو وارد في نصنا الديني.
جميعنا نُحب أمهاتنا، ونتعلق برقابهن، ونتأثر بالكثير من خصالهن، ونعترف بفضلهن في تربيتنا، لكن هل تعلقنا بأمهاتنا مبرر لنزع الحق الإلهي الذي خصَّ به الرجل؟! هل تفاخرنا بأسماء آبائنا، واعتزازنا بالانتماء لهم، يُعد انتقاصا من شأن أمهاتنا؟! أعترف بأنني أردد اسم أبي وأنا راضية، كما أردد اسم أمي وأنا سعيدة أيضا، لكن لم يخطر لحظة على بالي وأنا من المناديات بإنصاف المرأة، أن انتمائي لأبي فيه إجحاف بحق أمي، أو أن ارتباط اسمي باسم أبي فيه تطاول على مكانة أمي!!
ضحك رجل من أقاربي على فحوى الخبر، معلقا.. حقوق النساء أصبحت موضة دارجة هذه الأيام. الرجال يتعرضون لهجمة شرسة من وسائل الأعلام المختلفة، مما يحدو بنا أن نُطالب نحن أيضا بتأسيس جمعيات تدافع عن حقوقنا، أمام هذا التيار الكاسح من الاحتجاجات النسائية التي لا تنتهي.
أنا من المؤمنات بمقولة الإمام ابن حزم الأندلسي، التي أوردها في كتابه الشهير "طوق الحمامة"، بأن الرجل والمرأة مثل مقبض الباب، من غير الممكن أن تفتحه إلا إذا تطابق المقبضان من الاتجاهين. صحيح أن إيجاد هذا التطابق ليس باليسير، لكنه أيضا ليس بالمستحيل، فالرجل والمرأة ليسا في أرض معركة، يجب أن يُسمع فيها صليل السيوف، وتنتهي بغالب أو مغلوب، وليسا في ساحة مرمى، يتباريان من أمهر من الآخر في تسديد الهدف!!
رجال الدين الذين أظهروا تبرمهم، وأعلنوا احتجاجهم على تصرّف الكاتبة منى حلمي، وأنه يخرج عن إطار التشريع الديني، لم يمنع مفتي الديار المصرية من إجازة تحليل المورِّثات لإثبات النسب، شرط أن يُنسب ابن الزنى لأمه، حتّى وإن عُرفت هوية الأب مقترف الجريمة، مما جعلني أضع علامة استفهام كبرى أمام هذه الازدواجية في التعامل مع المرأة، من خلال الظروف والملابسات والوقائع الحياتية، رغم أن المرأة هي البطلة في كلا الموقفين!! يحثني الفضول على سماع إجابة مقنعة.