لقد شهد الأسبوع الماضي وقوع حدثين اثنين, بهما تتأكد دواعي وأسباب كل هذا القلق من نوايا إيران ومطامحها النووية. أولهما ما أعلنته طهران من نجاح في اختبار إطلاق صاروخ, تزعم السلطات الإيرانية عدم إمكان تتبعه بواسطة أجهزة الرادار, إضافة إلى كونه مزوداً بعدة رؤوس حربية, ما يمكنه من ضرب أكثر من هدف في لحظة واحدة. كما زعمت بعض المصادر الإيرانية أن لصاروخ "فجر3" مدى يمكنه من ضرب أهداف في العمق الإسرائيلي, مما يعني إمكانية استهدافه للقواعد الأميركية المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط.
أما الحدث الثاني فقد جرى الكشف عنه خلال جلسة استماع عقدها الكونجرس. ويتلخص هذا فيما توصل إليه اختبار أمني أميركي لتمكن بعض المحققين من تهريب ما يكفي من المواد المشعة إلى داخل الولايات المتحدة الأميركية, ومن ثم تصنيع قنبلتين قذرتين. وفي ذلك الاختبار الذي أجري في شهر ديسمبر الماضي, تمكن المحققون من تسريب كميات قليلة من تلك المواد وتوصيلها حتى ولايتي واشنطن وتكساس. وعلى الرغم من أن أجهزة الإنذار الخاصة بهذه المواد قد انطلقت, فإنه تم خداع مسؤولي الأمن بوثائق ملفقة, ما جعلهم يسمحون بدخول المواد المشعة. والنتيجة التي توصل إليها ذلك الاختبار هي أنه إذا كان في وسع المحققين القيام بمهمة كهذه, فما بالك بالإرهابيين العازمين على الوصول إلى أهدافهم بشتى الوسائل والطرق؟
وعلى أية حال فإن الموقف الإيراني الحالي هو سعي طهران –كما هو معلن- لتطوير تكنولوجيا الطاقة النووية السلمية, دون أن يؤدي ذلك وحده بالطبع إلى تصنيع الأسلحة النووية. ولكن الواقع أن الدول الغربية لا تقبل هذه المزاعم, بالنظر إلى سجل إيران الطويل في إخفاء نواياها النووية عن المجتمع الدولي. ومما لاشك فيه أن مجرد الشك في أن تكون لطهران نوايا نووية ومساعٍ سرية لتطوير السلاح النووي –خاصة في ظل النظام الإيراني الحالي- يمثل بحد ذاته مدعاة كبيرة للقلق. ثم يضاف إليه قلق آخر, يرتبط باحتمال وقوع أسلحة الدمار الشامل هذه, في أيدي جماعات إرهابية مدعومة من قبل إيران. وفيما لو خطر لبعض الدول المارقة أنه بإمكانها استخدام الأسلحة المذكورة ضد الولايات المتحدة أو قواتها العسكرية أو حلفائها مثل إسرائيل, فإن عليها التأكد من أنها ستواجه رداً أميركياً عنيفاً ومدمراً على فعلة كهذه. أما هذا الرد, فيكون أشد عنفاً بما لا يقاس, فيما لو غامرت تلك الدول بتسليح الإرهابيين لضرب الأهداف الأميركية وحلفائها بالإنابة عنها. وكما نعلم فقد عبر الإرهابيون -وفي مقدمتهم تنظيم "القاعدة"- عن رغبتهم في الحصول على القنبلة النووية. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف, فإن الخيارات المتاحة أمامهم هي إما سرقتها, أو شراؤها أو تطويرها بأنفسهم, على أن تساعدهم في ذلك دولة ما –مثل إيران- بخبراتها وإمكاناتها.
وفي دراسة حديثة حول كارثية تهديد الإرهاب النووي, والخطوات اللازم اتخاذها لتفاديه, قال الباحث "تشارلز فيرجسون": إن هناك حوالى 27 ألف قطعة نووية ضمن ترسانات ثماني دول هي: بريطانيا, الصين, فرنسا, الهند, إسرائيل, باكستان, روسيا, والولايات المتحدة الأميركية. وكان السيد فيرجسون –وهو عالم وخبير مختص بقضايا الأمن النووي, وضابط هندسي سابق في غواصات الصواريخ البالستية- قد اضطلع بإجراء الدراسة المذكورة لمجلس الأمن القومي الأميركي, الذي يحظى بزمالته الآن. وقد جاء في تقريره أن الأسلحة النووية في الدول الديمقراطية الراسخة والمتقدمة, محفوظة في أمان إجمالاً. ولذلك فهي تصعب سرقتها أو تشغيلها وإطلاقها, دون الوصول إلى شفراتها المتطورة والمعقدة. غير أن المخاوف تطال تلك الموجودة في دول أخرى مثل باكستان, خاصة وأن عالمها وخبيرها النووي السابق عبدالقدير خان, لم يتردد في بيع خبراته وبعض تلك المواد والتكنولوجيا التي تملكها بلاده, لعدة دول منها إيران وكوريا الشمالية وليبيا. بل الأخطر من ذلك, أنه وفي حال حدوث انقلاب عسكري في باكستان, ربما يأتي بتعيين مسؤولين حكوميين على تعاطف وتعاون مع الإرهابيين. يضاف إلى ذلك كله القلق الذي تثيره الأسلحة النووية التكتيكية الروسية, خاصة وأن بعضها يسهل نقله دون توفر آليات التأمين الداخلي الخاصة بها, علاوة على أنها لا تخضع لمعايير وإجراءات التخزين والحفظ المركزي. نصل بهذا أخيراً إلى ما يثيره احتمال تطوير إيران لترسانتها النووية, آخذين في الاعتبار رعاية إيران ودعمها طويل الأمد للإرهاب. وفي هذا الاحتمال ما يثير عدة أسئلة مقلقة.
وإذا كانت تصعب سرقة أو شراء الأسلحة النووية لأسباب متعددة, فإذن يبقى خيار تطويرها متاحاً وممكناً بالنسبة للإرهابيين. ويتطلب ذلك الحصول على مادة البولتونيوم أو اليورانيوم عالي الخصوبة. وفي دراسة فيرجسون المشار إليها أعلاه, أورد أن هناك مجموعة إرهابية واحدة على الأقل, سعت لتخصيب اليورانيوم, على رغم فشلها في نهاية الأمر, بحكم تعقيد تلك العملية وصعوبتها. وتبقى هذه الاستحالة قائمة في جانب الإرهابيين وحدهم, دون أن تهب إلى مساعدتهم فيها دولة م