في وقت تسعى فيه أوكرانيا إلى إيجاد توازن عملي بين الشرق والغرب في أعقاب انتخابات الأسبوع الماضي، تعمل روسيا على تعزيز موقعها في لعبة شد الحبل هذه حول الهيمنة والنفوذ في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.
ويقول "ألكسندر شوشكو"، مدير البحث في معهد التعاون الأوروبي-الأطلسي المستقل بكييف: "الكريملن مهتم بفشل النموذج الأوكراني. وستبذل روسيا قصارى جهدها من أجل إنهاء نموذج الانفتاح والتعددية والإدارة الشفافة على حدودها".
على مدى السنوات الثلاث الماضية، راقب الكرملين مجموعة من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، مثل جورجيا وأوكرانيا وقيرغيزستان، شهدت ثورات مطالبة بالديمقراطية مغادرة بذلك مجال النفوذ الجيوسياسي لموسكو. وحسب عدد من الخبراء الروس، ففي وقت تسعى فيه روسيا إلى الحفاظ على نفوذها في المنطقة، من المرجح أن تشهد أوكرانيا –حيث عكست نتائج انتخابات الشهر الماضي انقسام المجتمع الأوكراني- صراعاً حاداً على النفوذ بين موسكو والغرب في الأشهر المقبلة. وفي هذا السياق، يقول "دميتري سوسلوف"، المحلل بمجلس السياسة الخارجية والدفاعية، وهو مؤسسة بحثية مستقلة بموسكو، "تقوم استراتيجية موسكو اليوم على حشد دول المنطقة حول روسيا، وإدماجها مع الاقتصاد الروسي. وفي هذا الإطار، يمكننا أن نتوقع رؤية جهود جديدة لدعم السياسي الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش".
في انتخابات السادس والعشرين من مارس الماضي في أوكرانيا، فاز حزب الجهات، الذي يتزعمه "يانوكوفيتش"، بـ32 في المئة من الأصوات، وهو أمر قدمته وسائل الإعلام الروسية على أنه نصرٌ لسياسات الكرملين. إلا أن القوتين المواليتين للغرب، وهما حركة "أوكرانيا بلدنا" التابعة للرئيس "فيكتور يوتشينكو"، وكتلة رئيسة الوزراء السابقة "يوليا تيموشينكو" حصلتا معا على نحو 36 في المئة من الأصوات. ويرجح عدد من المراقبين أن تنجح المحادثات الشائكة بشأن تشكيل ائتلاف في توحيد الغريمين الديمقراطيين السابقين في حكومة، على أن تتولى "تيموشينكو" رئاسة الوزراء –وهو المنصب الذي أصبحت له صلاحيات موسعة بفضل الإصلاحات الدستورية الأخيرة.
بيد أن تحالفاً من هذا النوع ربما لن ينعم بالاستقرار طويلاً، في رأي الخبراء الأوكرانيين، ذلك أن الزعيمين على خلاف شخصي، حيث أقال "يوتشينكو"من قبل "تيموشينكو" من مهامها كرئيسة للوزراء في سبتمبر المنصرم. كما أنهما منقسمان سياسياً، ففي حين يُعد "يوتشينكو" إصلاحياً ليبرالياً حتى النخاع، تعد "تيموشينكو" زعيمة شعبوية، وهي التي تعهدت بإعادة بحث الآلاف من عمليات الخصخصة التي جرت في عقد التسعينيات من القرن الماضي.
وترى "فيرا نانيفسكا"، مديرة مركز الدراسات السياسية المستقل في "كييف"، أن ثمة خطراً آخر يواجه الاستقرار السياسي في أوكرانيا، ويتمثل في ترك كتلة "يانوكوفيتش" البرلمانية الكبيرة في صفوف المعارضة. ذلك أن من شأن هذا الأمر، تقول "نانيفسكا"، أن يُعمق الاستقطاب الاجتماعي في أوكرانيا بين غرب البلاد المتحدث بالأوكرانية والشرق المتأثر بالنموذج الروسي، وهو ما سيتيح لموسكو فرصاً أكثر من أجل التدخل في الشؤون الأوكرانية. وتتابع الخبيرة الأوكرانية قائلة: "قد يبدو الأمر غريباً، ولكن ائتلافاً موسعاً بين يوتشينكو ويانوكوفيتش قد يكون الخيار الأفضل. قد لا يقبل أحد بهذا الأمر في الوقت الراهن، ولكن الموقف يمكن أن يتغير بعد بضعة أشهر. ثم إن من شأن هذا السيناريو أن يدمج قوى "يانوكوفيتش" في التيار الغالب في الطبقة السياسية الأوكرانية، ويُسرع حدوث الاندماج الوطني".
غير أن روسيا قلقة إزاء عملية تسريع من نوع آخر، ألا وهي ميول أوكرانيا نحو الغرب، ولاسيما إصرارها على التقدم بطلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في 2008. وضمن هذا الإطار، يقول "سيرجي ماركوف"، نائب رئيس الغرفة العمومية الروسية، وهي هيئة استشارية تابعة للكريملين: "الشعور السائد هنا هو أن روسيا قدمت ما يكفي من التنازلات للمطالب الغربية"، مضيفاً أن انضمام أوكرانيا إلى "الناتو" قد يشكل "خطاً أحمر" بالنسبة لروسيا، التي قد ترى التحالف العسكري الغربي يزحف في اتجاه منطقة نفوذها التاريخي.
وحسب عدد من الخبراء الروس، فإن القرار الأميركي القاضي برفع القيود التجارية، التي تعود إلى الفترة السوفييتية، والتي كانت مفروضة على أوكرانيا عشية انتخابات الشهر الماضي إنما يُشكل مثالاً ملموساً على التدخل الأميركي. ومما يجدر ذكره أن الرئيس الأميركي جورج بوش قال مؤخراً في كلمة له: "في وقت تعمل فيه أوكرانيا على تبني الديمقراطية وتجارة أكثر حرية، فإن الصداقة التي تجمع بلدينا ستنمو وتتعزز". وقد جاء تصريح الرئيس الأميركي أثناء حفل أقيم في الثلاثين من مارس ليلغي قانون جاكسون- فانيك الذي يعود إلى 1975، والذي كان يربط التعاون التجاري بتقدم حقوق الإنسان في الاتحاد السوفييتي. ويقول ماركوف "الناس يتساءلون: لماذا تهتم الولايات المتحدة بأوكرانيا إلى هذه الدرجة، علما بأنها بلد بعيد جداً عن أميركا وقريب من