عند لحظة قدومه إلى منصبه الحالي, بصفته زعيماً للجمهوريين في مجلس "الشيوخ" الأميركي, كانت نصيحة أصدقائه وأهله ومعارفه له, ألا يخطو خطوة واحدة باتجاه ترشيح نفسه للمنصب الرئاسي إن فكر في ذلك يوماً ما. ولكنه لم يستمع إلى النصح وها هو يعترف الآن بمواجهة التحديات والعقبات. ففي لقاء صحفي أجري معه يوم الجمعة الماضي, قال "بيل فريست" إن الناس يجهلون شخصيته الحقيقية, مشيراً بذلك إلى كونه طبيباً جراحاً مختصاً بزراعة الأعضاء البشرية, ذا اهتمام خاص بتنظيم حملات المساعدات الطبية في الأحياء والتجمعات السكانية الفقيرة بصفة خاصة. وأضاف قائلاً إن أكبر تحد كان يروجه عنه الناس, عجزه عن الخطابة السياسية, مؤكداً أنه لم يأت حينها ليكون سياسياً في الأصل. لكن وبعد قضائه نحو اثني عشر عاماً في مجلس "الشيوخ", وجد السيد "فريست" –من ولاية تنيسي- نفسه غارقاً في السياسة حتى أذنيه. وبما أنه يفكر الآن في خوض الانتخابات الرئاسية لعام 2008, فهو لاشك يواجه عدة مصاعب بعد أن بلغ خريف عمره السياسي على حد قوله. وبحلول نهاية العام الجاري, وهو الموعد الذي سيتقاعد فيه ويفقد منصبه الحالي في واشنطن, فإنه ليس عليه إظهار براعته في القيام بواجباته الإدارية الوظيفية السابقة فحسب, وإنما عليه إثبات كونه قائداً ذا رؤية وشخصية وعزم على قيادة بلاده بأسرها.
ولكن مشكلة "فريست" أنه يواجه صعوبات في كلا الاختبارين. فعلى الرغم من إشرافه على تزكية ترشيح اثنين من "المحافظين" لعضوية المحكمة العليا –بمساعدة كبيرة من البيت الأبيض كما هو معلوم- فإن الانتقادات تطال سجله في مجال التشريع القانوني على وجه الخصوص. وضمن ذلك يواجه "فريست" وحزبه "الجمهوري" معاً, تحدياً كبيراً في إصدار قانون جديد للهجرة. كما اهتزت صورته العامة بصفته رمزاً "جمهورياً" قومياً, بسبب مواقفه وأدائه القيادي, في بعض القضايا الكبيرة ذات الحساسية العالية, ومنها ما نسب إليه من حث للكونجرس في سبيل التدخل في قضية "تيري شيافو" في ولاية فلوريدا. وبما أنه أصبح اليوم من الشخصيات الوارد ترشيحها للمنصب الرئاسي في انتخابات عام 2008, فإن كافة مواقفه وممارساته إنما تتأثر وتتلون بذلك الاحتمال. ومن بين الشخصيات الجمهورية الوارد ترشيحها للمنصب الرئاسي, السيناتور "جون ماكين", الذي يشرف على أدائه "بيل فريست".
ومن رأي "سكوت ريد" –المحلل الاستراتيجي "الجمهوري"- أن قضية "شيافو" لم تكن سوى حادثة واحدة فحسب, من مجموعة مواقف وأحداث تؤكد جميعها سمة الإحباط التي يتسم بها "فريست" في ممارسته لدوره ومستقبله القيادي. وعلى حد رأي المحلل ذاته, فإن قانون الهجرة الجديد, يتوقع له أن يكون آخر انتصار يحصل عليه "فريست" من أصوات الناخبين "المحافظين" في الجولة الانتخابية الأولى. وقد أصبح لزاماً عليه انتزاع ذلك النصر الآن, إن كان له أن يرشح نفسه للمنصب الرئاسي حقاً. غير أن هناك من يقول إن السيد "فريست" لا زال قادراً على تعزيز موقفه السياسي والانتخابي. من بين هؤلاء مثلاً السيناتور "جون وارنر" من ولاية فرجينيا –وهو من كبار "الجمهوريين"- وقد أبدى ملاحظته هذه, في مقابل التراجع المستمر والواضح لشعبية الرئيس بوش, في جميع استطلاعات الرأي العام التي جرت مؤخراً. ومن أقوى مؤشرات هذا التراجع, تعمد بعض "الجمهوريين" الابتعاد عن البيت الأبيض.
ومن "الجمهوريين" من يرى رأياً آخر معارضاً لهذا تماماً. ذلك أن حرص "فريست" على تقديم مشروع قانونه الخاص بالهجرة, وإعطائه أولوية النظر على ذلك المشروع الذي سبقه السيناتور "جون ماكين" في تأييده, إنما يشير إلى إعطائه –فريست- الأولوية لطموحاته الانتخابية الرئاسية, على حساب عمله ومنصبه في مجلس الشيوخ. وقد جر عليه ذلك الحرص انتقادات وغضب عدد من الشخصيات القيادية من أعضاء المجلس في كلا الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي". بل والأهم من ذلك أن طموحات "فريست" الرئاسية, صوبت نحوه وابلاً من سهام النقد التي استهدفت الطعن في شخصيته وقدراته القيادية بصفة عامة. وعلى سبيل المثال, فإن المحلل السياسي المستقل "تشارلي كوك", لا يرى في "فيرست" إلا قائداً عاطلاً تماماً عن موهبة البلاغة والفصاحة, في وظيفة قيادية في مجلس الشيوخ, تمثل فيها الفصاحة والقدرة على الخطابة, أهم مهارة يجب أن يتمتع بها من يشغل المنصب. ليس ذلك فحسب, بل إن "مايكل شيافو" –زوج "تيري شيافو" صاحبة القضية آنفة الذكر التي حسب موقفه إزاءها على سمعته القيادية والحزبية- انضم بدوره إلى فريق الناقمين على "فريست" ومنتقديه. ففي يوم الجمعة الماضي, مرت الذكرى السنوية لمصرع السيدة شيافو, وهي المناسبة التي استغلها زوجها في الترويج لكتاب ألفه, وكذلك لتأسيس لجنة للعمل السياسي تحت اسم "تيري باك" يهدفان جزئياً للنيل من السيد "فريست". توضيحاً منه لموقفه قال "شيافو": ليست لهذه الحملة علاقة البتة برغبة في الانتقام, إنما قصدت منها وضعه أمام المسؤولية ومحاسبته.
ولكن الملاحظ على "فريست" أن كل ما يقال عنه لا يحرك فيه