أكد المراقبون والمعلقون السياسيون أن الانتخابات الإسرائيلية التي جرت الأسبوع الماضي، قد أفرزت مشهدا سياسيا إسرائيليا مختلفا جد الاختلاف: زعيم من أصل مغربي لحزب "العمل"، حزب سياسي جديد، فرار زعيم حزب "العمل" السابق "شمعون بيريز" وانضمامه لحزب "كاديما" ولامبالاة عامة من جانب الناخبين من عرب إسرائيل.
قد يكون المشهد جديدا للإسرائيليين، ولكنه بالنسبة للعرب ليس سوى استمرار لما كان موجودا من قبل: مواصلة اغتصاب أراضي الفلسطينيين، وممارسة العقاب الجماعي ضدهم، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، وإعلان الالتزام بالسلام من جانب الإسرائيليين مع قيامهم بالعمل ضده في الواقع.
وهذه الحالة المؤسفة من الأمور، تتبدى من المواقف التي اتخذها الزعماء الإسرائيليون : فـ"عمير بيريتس" خاض الانتخابات على أساس أجندة من وعود الرفاه الاجتماعي والرخاء الاقتصادي، وتراجع موضوع السلام والمفاوضات مع الإسرائيليين إلى مرتبة تالية على قائمة اهتماماته.
أما بنيامين نتانياهو، فقد تمسك بعقيدته الليكودية الفاشية، ودافع عن وجهة نظره في ضرورة استخدام الحل العسكري لإخضاع الفلسطينيين.
أما "إيهود أولمرت" فقد أكد التزامه بالرؤية الشارونية القائمة على استخدام القوة الغاشمة، وفرض الحلول الفردية، وتحدي رغبة المجتمع الدولي .
ففي المقابلة التي أجراها في العاشر من مارس مع وسائل الإعلام الإسرائيلية قدم أولمرت خطته الخاصة بالقيام من جانب واحد برسم حدود إسرائيل بحيث تضم تلك الحدود الكتل الاستيطانية الكبرى مثل "معاليه أدوميم" و"جوش إيتزون" و"المدينة القديمة" والأحياء المجاورة في القدس المحتلة. وعندما سئل عما إذا كان سيقوم بالبناء بين القدس وبين مستعمرة "معاليه أدوميم" على الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة، أجاب بأنه سيفعل ذلك.
وخطة أولمرت تقوم على الاحتفاظ بالشخصية اليهودية للدولة الإسرائيلية من خلال إبقاء فلسطينييّ الضفة الغربية خارج حدود تلك الدولة، ومصادرة المزيد من أراضيهم، مع الحيلولة بينهم وبين الحصول على دولة قادرة على الحياة ومتمتعة بالسيادة، وإبقائهم مهددين بفرض حصار إسرائيلي عليهم متى ما رأت إسرائيل ذلك.
بناء على هذا، يمكن القول إن قيام أولمرت وإدارة بوش بمطالبة حكومة "حماس" الجديدة بالالتزام بـ"خريطة الطريق"، يعد تصرفا مراوغا. فخطة "خريطة الطريق" كما هو معروف تنص على قيام إسرائيل فورا بتفكيك المستعمرات العشوائية، التي تم بناؤها بعد مارس 2001 وتجميد كافة أنواع النشاط الاستيطاني".
علاوة على ذلك، فإن حكومة شارون لم تقبل بهذه الخطة في أي وقت من الأوقات. فعندما ضغط عليها وزير الخارجية السابق كولن باول لقبولها، وضع شارون 17 تحفظا على تلك الخطة، ثم مضى بعد ذلك لتنفيذ خطته الخاصة بالانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة.
وبناء المستعمرات الإسرائيلية، وتعزيز المستعمرات القديمة نشاط إسرائيلي لم يتوقف أبداً. فوفقا للأرقام التي أعلنتها مجموعة إسرائيلية للسلام، فإن هناك 12 ألف مستعمر يهودي قد انتقلوا للعيش في الضفة الغربية خلال عام 2005 كما أن بناء المستوطنات هناك استمر بشكل حثيث.
وجاء في تقرير لمجموعة "بتسليم" الإسرائيلية العاملة في مجال حقوق الإنسان الإسرائيلية نشر في ديسمبر 2005، أن الطريق الذي يسير فيه الجدار العازل الذي أعلنت محكمة العدل الدولية عدم قانونيته في يوليو 2004، قد أدى إلى فصل خمس وخمسين مستعمرة، منها 12 في مدينة القدس الشرقية عن باقي الضفة الغربية وجعلها متاخمة لدولة إسرائيل.
وعندما قام الفلسطينيون بدافع اليأس بانتخاب "حماس" في وقت سابق من هذا العام كان رد إدارة بوش والحكومة الإسرائيلية هو إعداد خطة سرية لهز استقرار الحكومة الفلسطينية المنتخبة انتخابا ديمقراطيا، حسبما جاء في صحيفة "نيويورك تايمز" في عددها الصادر في الرابع عشر من فبراير الماضي، وقامت حكومة أولمرت التي كانت متلهفة على القيام بعمل يبين التزامها بخط شارون بشن هجوم على سجن أريحا، قامت خلاله بالقبض على بعض الفلسطينيين بشكل مهين.
فهل هذا تصرف حكومة لديها الرغبة في التوصل إلى تسوية سلمية من خلال المفاوضات.. أو لديها أدنى احترام لحقوق الإنسان لخصومها، أو احترام لحرمة القانون الدولي والاتفاقيات الموقعة مع الآخرين؟