يلاحظ المراقب لأحوال الشارع الإماراتي في الأيام الأخيرة، أن هناك حذرا وتخوفات من جانب الكثير من السائقين من الوقوع تحت طائلة العقوبات التي ينص عليها قانون المرور الجديد بحق المخالفين ظناً منهم بسريان القانون. وهذا الحذر و"التخوفات" أمر إيجابي، ولكنه يعكس بين ما يعكس من دلالات عديدة، وجود وعي مقبول لدى هؤلاء السائقين، بدليل أن بنود القانون شاعت بمجرد النشر عنها في الصحافة المحلية، وذلك يعني أيضا أن غياب الوعي المروري لم يكن السبب المباشر في تزايد معدلات الحوادث، بل إن التهاون والاستهانة يلعبان الدور الأبرز في خرق القوانين وعدم الالتزام بتعليمات المرور. وإذا كانت وزارة الداخلية اقترحت اعتماد مهلة زمنية لا تزيد على ستة أشهر قبل تطبيق قانون المرور الاتحادي الجديد لتعريف الجمهور والتوعية بأهدافه، خصوصا فيما يتعلق بلائحة النقاط السوداء على رخص القيادة، فإن هذه المدة الزمنية الطويلة نسبيا تؤكد قطعيا أن الهدف المحوري هو تحقيق الانضباط المروري والحد من حوادث الطرق، لا زيادة دخل المخالفات كما يحاول البعض أن يروّج.
وما دامت الوزارة تتجه إلى اعتماد هذه المهلة الزمنية كفترة انتقالية للتوعية والإرشاد الجماهيري، فإن من الضروري استغلالها ليس للتوعية فقط بل أيضا لإجراء دراسات مسحية شاملة حول الشارع المروري، من مثل التعرّف إلى الوسائل أو القنوات الأكثر ملاءمة للوصول إلى السائقين على الطرقات، وإبلاغهم بأي تطورات سواء على حالة المرور أو ما يتعلق بتعديل مسارات الطرق، أو إبلاغهم بأي جديد يطرأ على القواعد الإجرائية المتبعة. كما يتطلب الأمر أيضا إعداد قواعد بيانات متكاملة حول مستخدمي الطرق من حيث المستوى العمري والثقافي والجنسية والنوع وغير ذلك، بحيث يمكن توظيف هكذا معلومات في صياغة الرسالة التوعوية بطريقة تتناسب مع أغلبية السائقين وإمكانية التركيز على شرائح محددة عبر قنوات ووسائل إعلامية معيّنة، في حال اكتشاف أي تجاوزات متفشية داخل هذه الشريحة أو تلك. المطلوب إذاً هو إيجاد مزيد من التفاعل بين الإعلام والأجهزة المرورية سواء لتقديم برامج إرشادية لدعم الوعي المروري وتعزيزه لدى سائقي السيارات، أو إنشاء إذاعة مرورية متخصصة يمكن أن تبث من خلالها الإرشادات المرورية حول القانون الجديد وحالة الطرق والأجواء في مختلف أنحاء الدولة على مدار الساعات الأربع والعشرين، بحيث تكون بمنزلة "قناة إذاعية مرورية"، وتكون كذلك بمنزلة المرشد للسائقين على الطرق.
المطلوب أيضا توسيع نطاق الجهد التوعوي بحيث لا يقتصر على وزارة الداخلية وأن يصار الأمر إلى حوار مجتمعي شامل يخاطب الفئات والشرائح جميعها، بلغاتها ولهجاتها، وليس فقط للتوعية بالقانون الجديد، ولكن للتوعية بحجم المشكلة التي نواجهها وخطر التزايد المستمر في حوادث الطرق، لإشراك الجميع في تحمّل المسؤولية والتصدي للمشكلة، مع العمل على إدخال تعديلات على إجراءات المرور مثل تعزيز الاستعانة بالرادار المتنقل بعد أن تحوّل خداع الرادار الثابت إلى سلوك نمطي لدى معظم السائقين، خصوصا معتادي ارتياد الطرق، كما ينبغي أيضا دراسة خطر الوقوف المفاجئ خوفا من السقوط في فخ "النقاط" بعد تطبيق القانون الجديد، حيث لوحظ أن الحذر الزائد يدفع بعض السائقين إلى التوقف فجأة عند الإشارات الحمراء ما قد يتسبب في حوادث عديدة.
_____________
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية