وقعت أستراليا، التي تعد واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة، اتفاقية مع الصين يوم الاثنين الماضي، تبيع بموجبها أستراليا إلى الصين اليورانيوم من أجل استعماله في المصانع النووية، في إطار جهود بكين الرامية إلى سد حاجياتها المتنامية من الطاقة. كما فتح الاتفاق الباب واسعاً للاستثمارات الصينية في مناجم اليورانيوم الأسترالية.
وتعد الاتفاقية، التي كانت موضوع مفاوضات استمرت على مدى السنة الماضية في بكين، أبرز محطات الزيارة التي يقوم بها إلى أستراليا رئيس الوزراء الصيني "وين جياباو"، والتي تستغرق ثلاثة أيام. وتعكس هذه الزيارة أهمية أستراليا باعتبارها قاعدة بالنسبة لطلب بكين المتزايد على الموارد الطبيعية. وقد قضى "وين" يوم الأحد في "أستراليا الغربية"، وهي الولاية التي تزخر بمعظم المواد الخام التي تصدرها أستراليا إلى الصين.
هذا ومن المقرر أن تشرع كانبيرا في تزويد بكين بالغاز الطبيعي المُسال خلال الأشهر القليلة المقبلة، كما تعد أستراليا اليوم أحد أهم مزودي الصين بالحديد الخام. ولكن لما كان اليورانيوم يدخل في صناعة الأسلحة النووية، فإنه يقع ضمن فئة خاصة مختلفة من الموارد الطبيعية.
بيد أن حكومة رئيس الوزراء الأسترالي جون هاورد شددت في أكثر من مناسبة على أن الصين التزمت بعدم استعمال اليورانيوم الأسترالي في برنامج أسلحتها أو لأغراض عسكرية أخرى. كما شدد الأستراليون على أن الصين، وخلافا للهند، التي وافقت إدارة بوش الشهر الماضي على تزويدها بالتكنولوجيا النووية، دولة موقعة على اتفاقية حظر الانتشار النووي. وقد وصفت أستراليا الاتفاق بأنه أخذ مع ذلك بأسباب الحيطة والحذر، إذ ينص على ضرورة استيفاء جملة من الشروط من أجل عقد الصفقة، وأنها ستخضع لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وإلى ذلك، أعلن مسؤول أسترالي كبير في وزارة الخارجية والتجارة يوم الأحد أن الولايات المتحدة "بالكاد تجد نفسها في موقع" يسمح لها بانتقاد صفقة بيع اليورانيوم إلى الصين من أجل أهداف سلمية، وذلك بعد أن أعلنت عن نيتها السعي إلى الحصول على إعفاء من الكونغرس لبيع الوقود النووي إلى الهند لاستعماله في مصانعها النووية المدنية. هذا وقد اطلعت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس على مخطط أستراليا القاضي ببيع اليورانيوم للصين خلال زيارتها إلى هنا الشهر المنصرم. وقال المسؤول الأسترالي إنها "اكتفت بالإصغاء إلى حقيقة أننا تفاوضنا بشأن الاتفاقية في إطار اتفاقية حظر الانتشار النووي".
وتعليقاً على هذا التعاون النووي، يقول الخبير الأميركي المتخصص في المسائل النووية "جورج بيركوفيتش"، الذي انتقد اتفاق إدارة بوش مع الهند ووصفه بأنه يسمح للهند بحشد الأسلحة النووية، إنه لا يعتبر الصين حالة مشابهة. فخلافاً للهند، يقول بيركوفيتش، تتوفر الصين على جميع مستلزمات صنع الأسلحة النووية. ويتابع قائلا: "هناك أكثر من سبب لأن تستعمل الصين اليورانيوم لأغراض مدنية"، قبل أن يضيف "فإذا كنت بلدا يبيع اليورانيوم إلى دول من أجل استعماله في إنتاج الطاقة النووية، فما من تبرير لعدم بيعه للصين".
وقد قوبلت الاتفاقية، التي وقعت مع الصين في العاصمة الأسترالية كانبيرا، بترحيب كبير لدى الأستراليين، وسبقها حوار صحفي طويل مع رئيس الوزراء الصيني، نُشر في صحيفة "ذي أستراليان". ومما تجدر الإشارة إليه أن حكومة هاورد، المؤيدة لإدارة بوش بخصوص موضوع العراق، كانت أخبرت الولايات المتحدة أنه لا يمكنها أن تعتمد على أستراليا في الوقوف إلى جانبها في حال نشوب خلاف مع الصين بخصوص موضوع تايوان.
ويأتي اتفاق اليورانيوم هذا في وقت تسعى فيه الصين إلى التقليل من اعتمادها الكبير على الوقود الأحفوري. ومما يجدر ذكره أن الصين تتوفر اليوم على تسعة مفاعلات للطاقة النووية، إلا أنها أعلنت مؤخراً عن برنامج طموح يقضي بإنشاء ما لا يقل عن ثلاثة مفاعلات في السنة. هذا في حين تتوفر أستراليا على نحو 40 في المئة من الاحتياطي العالمي من اليورانيوم الذي تبيعه على شكل أكسيد اليورانيوم إلى الولايات المتحدة وكندا وكوريا الجنوبية لاستعماله في المفاعلات النووية المدنية.
ومما يذكر أيضا أن بيع اليورانيوم كان دائما محط انتقادات في أستراليا من قبل المناوئين لبيعه بسبب استعماله في الأسلحة النووية، ولذلك يدعو هؤلاء إلى تركه في باطن الأرض والإحجام عن استخراجه. واللافت أن أستراليا لا تتوفر على صناعة طاقة نووية خاصة بها، أما إنتاج اليورانيوم فيقتصر على ثلاثة مناجم لا غير. إلا أن الفكرة المتمثلة في أن من شأن الطاقة النووية المساعدة على الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري قد ساهمت إلى حد كبير في إضعاف موقف المعارضين للاتفاق. وفي محاولة لإظهار تأييده لطفرة اقتصادية تعتمد على صادرات الموارد الطبيعية إلى الصين، أعلن حزب "العمل" الأسترالي، الذي يعد أكبر أحزاب المعارضة، أنه يؤيد إنتاجاً موسعاً لليورانيوم. وهو ما يترك الحزب الأخضر الصغير معزولا كونه بات أكبر معارض لإبرام الص