المعروف عن معرض أبوظبي للكتاب أنه "تظاهرة ثقافية" تشهدها دولة الإمارات سنويا –بجانب معرض الشارقة الدولي للكتاب- وهذه التظاهرة بجانب أنها فرصة لإطلاع جمهور الإمارات على ما هو جديد في عالم الكتاب فإنها فرصة أيضاً لحضور ندوات ومحاضرات وفعاليات ثقافية عديدة وفرصة للاستماع إلى شاعر متميز أو مناقشة روائي مبدع أو الاستمتاع بحضور مسرحية أو فيلم سينمائي بل إنها فرصة أكيدة لمن ينتهز فرصة وجود المثقفين شبه اليومي في فعاليات المعرض، ليتناقش معهم ويستمع إليهم!!.
وجرت العادة أن يتوفر بعض من تلك الأنشطة أو معظمها في معرض أبوظبي للكتاب وهو أمر حاضر وحاصل خلال المعرض الحالي؛ إذ أن برنامج المعرض يؤكد تواجد تلك الأنشطة وبطريقة قد تكون رائدة ومميزة ومحل إعجاب الكثيرين مقارنة بالأعوام السابقة. ربما ترضي معظم الزوار ومرتادي المعرض؛ إلا أن الملاحظة التي يمكن رصدها وتسجيلها وهي ملاحظة كررها على مسمعي أكثر من شخص هي: تركز معظم تلك الفعاليات خلال فترة محددة خلال اليوم الكامل وتحديداً خلال الفترة المسائية وعادة ما تكون بعد السابعة وهي فترة قد تكون مناسبة لساكني مدينة أبوظبي ولكنها غير مناسبة لمن هم خارجها خاصة القادمين من إمارات الدولة المختلفة بل إن الأمر يزداد استغراباً وتعجباً عندما يتكرر مشهد هذا التوقيت خلال يومي الخميس والجمعة برغم أنهما يوما إجازة للجميع.
الناظر لجدول الأنشطة اليومية للمعرض والمطلع على تلك الفعاليات الجانبية ليومي الخميس والجمعة يتضح له أن ثلاث فعاليات خلال الفترة المسائية جميعها تقريباً في نفس التوقيت وباقي اليوم يكاد يكون دون نشاط، بل إن معرض الكتاب نفسه مقسم على فترتين صباحية ومسائية بينهما استراحة تمتد لساعات وهو وقت غير مستغل من الزوار. إن هذا التكدس والتزاحم للفعاليات خلال فترة محددة يعيد إلى الأذهان بعض البرامج الترفيهية التي تنظمها الشركات الخاصة بما يعرف بـ"سياحة اليوم الواحد" أو "ثقافة اليوم الواحد" في الجامعات وقد يكون هذا منطقياً عندما يكون هناك ضغط في الوقت ولا يسمح للشخص أو للطالب بقضاء أكثر من يوم فقط ولكن أن يكون المعرض لمدة عشرة أيام أربعة منها إجازة أسبوعية وتتكدس الأنشطة في وقت واحد فالأمر يحتاج إلى المراجعة، لتعظيم الفائدة فقط!!.
ذكر لي البعض، أنه رغم تعدد العناوين للفعاليات الجانبية، إلا أن القاسم المشترك أنها فيها تميز هذه المرة وأنه يخالجه إحساس ورغبة في حضور كل تلك الفعاليات وأن الواحد يقف محتاراً إلى درجة أنه لا يعرف أياً منها يذهب إليه وأياً منها يترك ويزداد ذلك الشعور عندما تكون الندوات في وقت واحد كما هو الأمر يوم غد الخميس -محاضرة "الإعلام الغربي بين التميز والتحيز" للإعلامي فيصل القاسم ومحاضرة شهادة للروائية السعودية رجاء الصانع عن روايتها "بنات الرياض"، وأكدوا لي أنه حتى عندما يقررون حضور واحدة منها فإنه يبقى في نفسه شيء تجاه الرغبة في حضور الفعالية الأخرى.
على كل إذا افترضنا أن هذه هي الصورة الحقيقية "للمحافل الثقافية" التي توفر لك كل الخيارات أما الاختيار فأنت المسؤول عنه، فإن المأمول في السنوات القادمة أن ينتبه منظمو مثل هذه المعارض إلى أنه إذا كان للكتاب جمهوره فإن للندوات والمحاضرات وكذلك الأفلام جمهورها بل إن الواقع يؤكد أن النشاط الثاني يلقى حضورا أكبر؛ لأن إمكانية الحصول على الكتاب أصبحت لا تحتاج إلى جهد كما كان سابقا؛ أما المبدعون والمفكرون والشخصيات الثقافية المتميزة فهم يحتاجون لأن نجعل من أيام المعرض الكاملة "احتفالية ثقافية" تبدأ من الصباح وتستمر إلى المساء دون المرور بوقت "الاستراحة" أو كما هو متعارف عليه "البريك تايم".