أربعة اعتبارات مجتمعة تقود بعض المراقبين وعلماء السياسة والعلاقات الدولية إلى استنتاج متشائم للغاية وهو أن القضية الفلسطينية تتعرض للانهيار, ليس على المدى الطويل فحسب بل وفي المدى المباشر أيضا.
أول هذه الاعتبارات هو الفلسفة الجديدة نسبياً التي تطبقها إدارة بوش, والتي تصل إلى مستوى التأييد الكامل للسياسة التي أخذ بها شارون ويتابعها إيهود أولمرت بعد فوز حزب "كاديما" الانتخابي, وهي الفلسفة التي تقوم على ما يسمى بالفصل أو الحل الأحادي, والأهم هو فرض هذه السياسة بالقوة وبغض النظر عن أي اعتبار آخر, قانونياً كان أو سياسياً. هذه الفلسفة تنهض على قيام إسرائيل بترسيم "حدودها" بإرادتها المنفردة, وترك الفلسطينيين "يخبطون رؤوسهم" في الجدار العازل, ويتخبطون بين الطرق الالتفافية التي تمزق الضفة إلى كانتونات, وتضاعف استعداد إسرائيل للتعامل مع العمليات الانتحارية الفلسطينية بتحمل نتائجها من ناحية والرد عليها بأسلوب الانتقام الخارق لا الانتقام الثقيل وحده. وقد يقبل الإسرائيليون والأميركيون تسمية "فتافيت" الأرض التي تبقى من الضفة, مع قطاع غزة "دولة فلسطينية", فذلك أمر لن يهمهم في شيء طالما أنهم سيكونون قد ابتلعوا كل أجزاء الضفة التي يريدونها لأغراض الاستيطان والأمن والرموز الدالة على "يهودية" إسرائيل.
إن أهمية المباركة الأميركية الكاملة تنبع من حقيقة أن الولايات المتحدة تحتكر عملية صنع القرار في النظام الدولي, والأهم أنها تستطيع مصادرة الشرعية الدولية ومنع آليات النظام الدولي من العمل فيما يتعلق بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي, وهو ما يعني حرمان الفلسطينيين والعرب من التمتع حتى بوهم الشرعية الدولية. ولا يقل عن ذلك أهمية أن الولايات المتحدة حليف أساسي لعدد من الأنظمة العربية المؤثرة على مسار القضية الفلسطينية, وهو ما يستبعد إمكانية توظيف مناحي القوة العربية بمواجهتها لإجبارها على احترام الشرعية الدولية والحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني.
أما العامل الثاني فهو استقرار الانجراف الكبير نحو اليمين في الساحة السياسية في إسرائيل, وهو ما كشفت عنه الانتخابات الأخيرة لـ"الكنيست" حيث لم يفز حزب "العمل" سوى بـ24 مقعدا, وكسبت حركة "ميريتس" 4 مقاعد فقط, وهو ما يعني أن اليسار بأوسع المعاني قد حصل على أقل من ربع مقاعد "الكنيست", وذهب الباقي إلى الأحزاب اليمينية المتشددة بما فيها الأحزاب الدينية. وتكرس انتخابات 2006 نتائج هذا الانجراف لليمين الذي ظهر في انتخابات 2001 و2003. ومن ثم ستلقى فكرة ترسيم الحدود من جانب واحد تأييد غالبية كبيرة داخل "الكنيست", والأهم أن هناك إجماعا عاما بين الأحزاب والقوى اليمينية على استخدام القوة بدون قيود في مواجهة الشعب الفلسطيني. ومن ثم يمكن توقع أن تمضي الحكومة الإسرائيلية المقبلة في فرض ما يسمى بالحل الأحادي أو خطة الفصل, وبحيث تنتزع إسرائيل أراضي من الضفة تشمل كل ما يقع غرب الجدار, على الأقل. ويلاحظ هنا أن إسرائيل قد قررت توظيف كامل قوتها العسكرية ضد الشعب الفلسطيني وقواه المقاتلة, بدون أدنى اهتمام بالاعتبارات القانونية الدولية وبتأييد أميركي مطلق يحميها حتى من مجرد اللوم من جانب آليات الشرعية الدولية, وهو ما يمنحها فرصة كاملة في سحق المقاومة العسكرية والسياسية للفلسطينيين بدون تكلفة سياسية تذكر, بل ويمنحها ما هو أهم: أي فرض "حل" من جانب واحد.
أما العامل الثالث فهو أخطرها جميعا: أي انهيار الالتزام السياسي العربي الحقيقي بالقضية الفلسطينية خلال الأعوام الثلاثة الماضية. أما المؤشر الأساسي لهذا الانهيار فهو استعداد الدول العربية للتضحية بأي جزء من مصالحها الخاصة المؤقتة لإنتاج ظروف تسمح بانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني, واستعادة الأراضي المحتلة في يونيو عام 1967. والواقع أنه بخروج مصر من معادلات الصراع وعدم استعداد دول الخليج لاستخدام سلاح النفط والاقتصاد لإجبار الولايات المتحدة والنظام الدولي على تطبيق الشرعية الدولية فإن عنصر الضغط الأهم في ساحة الصراع يكون قد اختفى, وهو ما يترك للولايات المتحدة وإسرائيل قدرا كبيرا للغاية من الحرية في فرض حلول أحادية. والواقع أنه بدلا من قيام الدول العربية الرئيسية بالضغط على أميركا لإقناعها أو إجبارها على التعاطي بقدر من التوازن أو العدالة مع القضية الفلسطينية, تقوم الولايات المتحدة بالضغط على الدول العربية بمناسبة قضايا استراتيجية أو داخلية أخرى, مثل قضية أسلحة الدمار الشامل أو قضية الديمقراطية. وبوجه عام يمكن توقع أن ترفض غالبية الدول العربية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل, وأن ترفض إسرائيل تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة وخاصة القرار 242 و338, والقرارات ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني مقابل مجرد التطبيع مع الدول العربية, كما تأمل مبادرة الملك عبد الله التي اعتمدتها قمة بيروت. ومن ثم فالقضية تبدو مرشحة لتجميد طويل على المستوى الإقليمي.
أما العامل الرابع والأخير فهو تدهور موازين ال