لم أعد أكترث بانعقاد القمم العربية، فنتائجها واحدة والتغيير الوحيد هو تاريخ انعقادها. أنا على يقين بأن القيادات العربية "زهقت" من اللقاءات ولم يعد الزعماء العرب يبالون بحضور القمم العربية لأنهم على قناعة بأنها لم تعد مجدية. الأزمة أكبر من لقاء يعقد هنا أو هناك، فالأمر أعقد من ذلك بكثير، ولا نملك أمام ما يواجهنا من أزمات إلا الاعتراف بالفشل والبدء في ممارسة نقد الذات فربما قد يكون الاعتراف بالقصور بداية الطريق لشيء جديد يعيد لنا الأمل في وضع حد لنهاية الأزمات الخانقة التي نعيشها.
الاعتراف بالفشل عملية صعبة وقاسية وهي عملية بحاجة إلى جرأة كبيرة لا تتوفر لدينا، فالذات متضخمة، وانقسام الداخل حقيقة واقعة، وتباعد القيادة السياسية عن شعوبها يزداد يوماً بعد يوم، وانكسار الذات وتهميشها عاد حقيقة للشخصية العربية.
لم يعد أمامنا سوى أن نبحث عن شيطان لكل حقبة في تاريخنا لنرميه بالحجر ونحمله مسؤوليات الخيبة لكي ننفس عن الإحباط الذي بات يهدد بالانفجار العشوائي في أي لحظة.
في خضم هذه الفوضى المدمرة، يبحث كل واحد منا عن مخرج، فمنا من يقول شيطان الإمبريالية مازال يلاحقنا وهو بالتالي يتحمل خيباتنا، وبعضنا لا يجد أمامه سوى حقيقة الابتعاد عن الدين، وبالتالي يرى أن ما حل بنا ما هو إلا شكل من أشكال الغضب وما علينا إلا أن نعيد التاريخ إلى الوراء لكي نحقق أمجادنا. والقليل من لديه الشجاعة وإن كانت قاسية وممزقة للنفس، ليعترف ويقول إن الشيطان فينا وإنه لم يعد من المجدي البحث عن شياطين لنحملها أزماتنا.
القلة التي لم تعد قادرة على الإعلان عن موقفها، باتت مطالبة بالإعلان عن نفسها وإن كانت لا تشكل قوة، فهي ربما ما تبقى لنا من أمل في إعادة الحياة لأرواح ماتت قبل يومها. الأزمة التي ضربت جذورها في أعماق الذات العربية لا يمكن فهمها إلا من خلال الرجوع لفهم تطور البنية الثقافية التي أفرزت لنا إنسانا لا يفكر في مسؤوليته حيال مصائبه، ولم تعد لديه القدرة النفسية لمواجهة أزماته إلا من خلال البحث عن البديل الذي يجد فيه المتنفس عن غضبه.
البنية الثقافية بتشعباتها أوجدت لنا منظومة قيم تبعث على البحث في الفضاء وتبعدنا عن الواقع المعيش، إذن هي إشكالية أكبر من أن تحملها قمة عربية بقدر ما هي تنطوي على جذور ضاربة أطنابها في نمط التفكير العام الذي يسيّر حياتنا. ولا يبدو لنا في المنظور الغريب أن الأزمة ستنجلي حيث مازالت معطيات الواقع لا تبعث على الانفراج.
مسؤولية الإخفاق الاجتماعي تتحملها النخبة الثقافية التي فقدت مصداقيتها، إنها نخبة إيديولوجية القيادة التي عززت التفكك على حساب الاندماج، وكرست هزيمة الذات على حساب الاعتزاز بالنفس، النخبة التي وظفت التقليدية من طائفية وعشائرية وقبلية لمصالحها الفئوية. إذن ما نواجهه هو فساد النخب سواء منها السياسي أو الثقافي التي وجدت في الانقسام مصدرا لقوتها واستمرار هيمنتها لضمان مصالحها.
الأوضاع المحيطة تجلب اليأس فهذا هو العراق يتمزق على أيدٍ مصلحية، ولبنان يتأهل من جديد للاحتقان، وسوريا مازالت على طريق الخمسينيات والستينيات سائرة وكأن الزمن توقف، ومصر تتضاعف فيها مشاكل الشباب من بطالة واتساع الفروق الطبقية، وبلاد النفط ترى في أموالها الوسيلة لحل المعجزات وهي غافلة عن أن المال يتحول إلى نقمة إذا لم تحسن إدارته!