أنفق دافعو الضرائب الأميركيون ما يعادل تريليون دولار –بأسعار اليوم- للمحافظة على قواعد عسكرية في كوريا الجنوبية بعد انتهاء الحرب التي خاضتها هناك عام 1953. ويتساءل بعض المحللين العسكريين عما إذا كانت الولايات المتحدة ستكون لها بعد 20 عاماً من الآن قواعد" دائمة" وباهظة التكلفة في العراق.
بدلا من القواعد، وفي حالة ما إذا قررت الولايات المتحدة مغادرة العراق، فإنه يمكن نقل الأفراد ومعداتهم من العراق جواً بسرعة. ويقدر "جون بايك"، مدير موقع "جلوبال سيكيوريتي كوم" وهو موقع متخصص في الشؤون العسكرية أن الجنود الأميركيين يمكن في هذه الحالة أن "يعودوا إلى الوطن خلال شهر". ولكن الأمر قد يستغرق ثلاثة شهور كما يتصور "جوردون آدمز" رئيس قسم السياسات الأمنية بجامعة جورج واشنطن في واشنطن.
بيد أن ما هو واضح حتى الآن، هو أن "البنتاجون" سيفضل المحافظة على قواعده في العراق، حيث أنفق عليها حتى الآن ما يزيد على مليار دولار، وزود بعضها بملاجئ تحت الأرض وغيرها من التجهيزات الخاصة بالقواعد طويلة الأمد. ومن بين فاتورة الطوارئ البالغة 67.6 مليار دولار والمخصصة لتغطية النفقات العسكرية في العراق وأفغانستان، هناك مبلغ يقدر بـ348 مليون دولار مخصص للمزيد من الإنشاءات في القواعد.
وفي الوقت الذي لم يتبق فيه سوى 8 شهور على عقد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، يسود افتراض واسع النطاق مؤداه أن "البنتاجون" سيقوم بسحب عدد كبير من قواته من العراق قبل حلول موعد هذه الانتخابات.
حول هذا الأمر قال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في كلمة له أمام قوات "المارينز" في ديسمبر الماضي: "حتى هذه اللحظة لا توجد لدينا خطط لإقامة قواعد طويلة الأمد في العراق". ولكن رامسفيلد أضاف إلى ذلك قوله إن الولايات المتحدة قد تناقش إقامة قواعد للقوات الأميركية في العراق مع الحكومة العراقية الجديدة.
وعندما قال الرئيس بوش للصحافة في الحادي والعشرين من مارس الماضي إن هذا الأمر سيتم حسمه بواسطة "الرؤساء المستقبليين والحكومات المستقبلية في العراق"، فإن كلماته أدت إلى تعزيز التكهنات بأن العديد من القواعد الأميركية الموجودة هناك، والبالغة 75 قاعدة ستظل مشغولة من قِبل قوات أميركية لمدد ممتدة.
بيد أن الأمر قد لا يكون كذلك.
فقد أصبحت حرب العراق مكروهة للغاية في أميركا إلى درجة أن قراراً يعلن أن الولايات المتحدة "ليست لديها خطط لتأسيس وجود عسكري في العراق"، قد تم تمريره في مجلس النواب الشهر الماضي دون أي رفض من أي صوت "جمهوري" واحد. وهذا القرار تم إدخاله ضمن مشروع القانون الخاص بميزانية تبلغ 67.7 مليار دولار والذي قدمه النائب "الديمقراطي"، "توماس ألين".
ويتوقع السيد "ألين" أنه عندما يقوم مجلس "الشيوخ" بمناقشة ذلك المشروع هذا الشهر فإنه قد يتعرض للإلغاء من قِبل الأغلبية "الجمهورية" في المجلس. ويرى السيد "ألين" أن الكثير من العراقيين يعتقدون أن الهدف الحقيقي من الغزو الأميركي هو ضمان الوصول إلى الاحتياطات الضخمة للثروة البترولية العراقية، وهو ما يعني أن فكرة القواعد الدائمة ستؤدي إلى تأكيد هذه المخاوف، وتساهم بالتالي في تأجيج نيران التمرد. وهذه القلق تحديداً قد يكون هو السبب الذي يفسر تهرب العسكريين من الحديث عن موضوع القواعد العسكرية الدائمة في العراق. وبعض القواعد الأميركية القائمة في العراق ضخمة. فهناك مثلا قاعدة "كامن أناكوندا" بالقرب من مدينة "بلد" الواقعة شمال بغداد والتي تحتل مساحة 15 ميلا مربعا ويوجد فيها حماما سباحة، وجيمنيزيوم، وملعب جولف مصغر، ودار سينما. ومن بين المقيمين في القاعدة البالغ عددهم 20 ألفا، فإن أقل من 1000 فرد هم الذين يغادرونها أحيانا، وبالتالي يكونون معرضين لنسبة خطر أعلى من باقي المقيمين.
ويقدم الخبراء والأكاديميون أسبابا استراتيجية متنوعة للقواعد. فالسيد "زولتان جروسمان" الجغرافي في "كلية إيفرجرين ستيت" في أوليمبيا يرى أن منذ سقوط حائط برلين عام 1989، فإن الولايات المتحدة قامت بتأسيس سلسلة مكونة من 35 قاعدة جديدة على امتداد المسافة من بولندا إلى باكستان (لا تشمل القواعد العراقية).
وهو يعتقد أن ذلك يمثل "أمراً في غاية الخطورة" لأنه يمكن أن يؤدي إلى وقوع هجمات على تلك القواعد من ناحية، كما أنه يمكن أن يورط الولايات المتحدة في الصراعات العرقية والدينية المحتدمة في هذه المناطق. كما أنه يمكن أن يؤدي إلى "ضربة مضادة" للولايات المتحدة.
وهناك نظرية أخرى قدمها "جوزيف جارسون" مؤلف كتاب عن القواعد العسكرية الأميركية في مختلف أنحاء العالم، ومؤداها أن الحرب والقواعد تهدف إلى إدامة سيطرة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط بما يحتوي عليه من احتياطات بترولية ضخمة. وهو يقول إن الولايات المتحدة قد وضعت 400 ألف فرد في قواعدها المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، وإن تكلفة الاحتفاظ بقواعد في العراق ستصل عدة مليارات من الدولارات سنوياً.
والتكاليف الإضافية يمكن أن تشمل تكلفة تدوير القوات،