مدهش ومثير للتساؤل إلى أي مدى استطاعت القمة العربية الأخيرة في الخرطوم، أن تكون حدثاً لا طعم له ولا لون ولا تأثير؟ أصبح ممكناً القول إن مؤتمراً على مستوى القمة يعقد سنوياً كما أي ماكينة تسيّر نفسها بنفسها، فقط لأن أياً من عناصرها لا يستطيع وقفها مهما تردّت أحواله. وليس البديل، ولا المطلوب، ألا تنعقد، بل أن تنعقد وأن تتمكن من أن تصنع فارقاً بين ما قبلها وما بعدها، وإلا فإنها لن تخلّف سوى الإحباط ومزيد من الشعور لدى الرأي العام العربي بأنه "مفيش فايدة".
ينبغي ألا يمضي الاعتقاد إلى حد بأن جمعاً يضم القادة العرب فقد كل أهمية، لا هذا غير صحيح، فلقاؤهم مهم لأنه يواصل إعطاء إشارة بأن دولاً من المحيط إلى الخليج لا تزال تعتبر أن لديها مصلحة في أن تبقى مترابطة، ولا تزال تأمل بأن تتوصل إلى تطوير هذا الارتباط لتحقق ولو جزءاً من الآمال والأهداف التي تتشارك بها. لا شك أن بعض أهمية اللقاء بين القادة يتأتى من المحاربة الخارجية التي تعرض لها طوال عقود، وحتى من الاختراقات والضغوط التي تضافرت للحؤول دون أن يصبح التكتل العربي فاعلاً ومؤثراً ومتماسكاً يحسب له حساب على المستويين الدولي والإقليمي.
أكثر من أدرك أهمية هذا التكتل كانت إسرائيل، ولذلك ركزت دبلوماسيتها على جعل نفسها ليس فقط إحدى الولايات المتحدة الأميركية، بل الولاية المميزة التي تجند الإدارة وسائر الولايات لخدمتها. ولذلك غدا الصراع العربي-الإسرائيلي باكراً صراعاً عربياً-أميركياً، وهو ما اضطر واشنطن أخيراً إلى التورط مباشرة على نحو ما فعلته في غزوها واحتلالها للعراق، فضلاً عن بحثها عن قواعد ومعسكرات ومخازن أسلحة، وحتى عن سجون سرية في مختلف أنحاء المنطقة العربية.
كان الغزو العراقي للكويت صيف 1990 الضربة التي قصمت ظهر "النظام العربي"، لكنه كان أيضاً الجائزة الكبرى التي لم يتوقعها الثنائي الأميركي-الإسرائيلي. قبل ذلك كان العرب تخلوا عن استخدام "سلاح" النفط، وبعد ذلك تخلوا عن خيار الحرب ضد إسرائيل ووافقوا على مسار السلام التفاوضي، أما إسرائيل فواصلت الحرب على رغم المفاوضات، كذلك الولايات المتحدة التي لا تزال حتى الآن -قبل 11 سبتمبر وبعده- تتصرف وفقاً للسياسة نفسها التي تريد تطويع المجتمعات بعدما أنجزت تطويع الحكومات.
وفيما تواجه السلطة الفلسطينية احتمالات الانهيار، ويُنذر الشعب الفلسطيني بمرحلة فوضى وتجويع وتلاعب علني بمصيره، لم تجد قمة الخرطوم أكثر من تأكيد البديهيات وتجديد الالتزام بمبادرة السلام العربية و"خريطة الطريق" مع أن إسرائيل عملت جادة على تقويضها.
كذلك، فيما يغرق العراق أكثر فأكثر في مستنقع حرب أهلية ومذهبية، تكاد تعصف بما أنجزه الاستحقاقان الانتخابيان، وبما حاولته الجامعة العربية من أجل تحقيق المصالحة العراقية، أضاعت قمة الخرطوم الوقت في مناقشة إمكان إعادة فتح السفارات العربية وإرسال سفراء معتمدين إليها.
وفيما لم تعد واشنطن تخفي حاجتها إلى إيران ونفوذها للمساعدة في ترويض الساحة العراقية، وعلى رغم التصعيد في الملف النووي الإيراني، اكتفت قمة الخرطوم بتكرار أفكار قديمة للتعامل مع أزمة ساخنة جعلها المجتمع الدولي محور اهتمامه.
وحتى مسألة دارفور التي لم تنجح الخرطوم في إبعادها عن مجلس الأمن، أي عن التدويل، تعاملت معها القمة على طريقة مسايرة "البلد المضيف" على رغم أنه أظهر حتى الآن عجزاً واضحاً عن معالجتها داخلياً. لاشك أن التدويل سيزيد التعقيدات لكن الحلول الداخلية راكمت الانتهاكات.
انتهت في "مؤسسة" القمة على ما يبدو، مرحلة الإمساك بالقضايا والنزاعات العربية، لتبدأ مرحلة التفرج على هذه القضايا وهي متروكة لمشيئة التدخلات الخارجية، ونادراً ما أظهر المتدخلون حرصاً حقيقياً علي إيجاد حلول.