كشفت الانتخابات الإسرائيلية عن عدة أبعاد اجتماعية وسياسية، تتعلق بموقف قطاعات واسعة من الجماهير تستحق الرصد والمتابعة. أول هذه الأبعاد تمثل في موقف احتجاجي من نسبة غير مسبوقة من الناخبين في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية، امتنعت عن الذهاب إلى صناديق الانتخابات بلغت سبعة وثلاثين في المئة من الناخبين المقيدين بالجداول. ومن خلال متابعة المقابلات التي أجرتها قنوات التلفزيون الإسرائيلية مع بعض الممتنعين عن التصويت، تبين أن لديهم مجموعة من الأسباب: أولها إحساس بعضهم بأن الساسة الإسرائيليين كلهم متشابهون وأنه لا فارق جوهرياً بين شخصياتهم وسلوكهم المتوقع بعد استلام السلطة. وثانيها إحساس البعض بأن البلاد في حاجة إلى تغيير أعمق كثيراً مما تعبر عنه البدائل الانتخابية المطروحة، خاصة فيما يتصل بشيوع الفساد في الدولة. وثالثها إحساس البعض بعدم المبالاة وتعبيرهم المباشر عن تفضيل قضاء الوقت في أمور مفيدة أو ممتعة أكثر من الانشغال بالانتخابات.
أما ثاني الأبعاد في الموقف الاحتجاجي، فقد كشف عنه خبراء تحليل النتائج في حزب "كاديما"، ذلك أنه على الرغم من حصول الحزب على المرتبة الأولى بين الأحزاب المتنافسة متقدماً برصيد ثمانية وعشرين مقعداً، إلا أن خيبة الأمل قد حلت بزعماء الحزب الذين علقوا آمالهم باستطلاعات الرأي، التي كانت تبشرهم بالحصول على عدد مقاعد يتراوح بين 37 و40 مقعداً. ومن هنا انشغل المحللون في البحث عن سبب عدم تحقق هذه التوقعات وأرجعوا الأمر إلى رغبة الجمهور الناخب في عدم خلق حزب كبير يسيطر على الحياة السياسية نتيجة للتجارب السلبية التي ترتبت من قبل على منح "الليكود" عدد مقاعد وصل إلى أربعين، وكذلك حزب "العمل" في دورات سابقة. من هنا يعتقد المحللون أن الجمهور أصبح يفضل وجود أحزاب متوسطة الحجم من حيث التمثيل البرلماني حتى لا يستفحل دور أحد الأحزاب. أما ثالث الأبعاد في الموقف الاحتجاجي فقد تمثل في التأييد غير المسبوق الذي حصلت عليه قائمة المسنين المتقاعدين الذين يطالبون بحقوق اجتماعية واقتصادية تعوض حرمانهم الحالي من الخدمات. ولقد لوحظ أن كثيراً من الشباب ومتوسطي الأعمار قد وجهوا أصواتهم لتأييد هذه القائمة نكاية في الأحزاب الكبيرة سواء "كاديما" أو "العمل" أو "الليكود".
ومن الظواهر الاجتماعية البارزة التي تستحق الاهتمام، أن مجموعة الأحزاب التي وضعت في مقدمة اهتماماتها القضايا الاجتماعية، مثل قضية محاربة الفقر والحد من البطالة وزيادة الأجور ورفع حصص الدعم الصحي وتأمينات البطالة وسدّ الفجوة بين الطبقات قد حققت نصيباً كبيراً من المقاعد بما يجعلها مجتمعة تمثل قوة برلمانية مؤثرة على السياسات الاقتصادية الاجتماعية، فلقد حصل حزب "العمل" على عشرين مقعداً وهو في مقدمة المدافعين عن اليهود الشرقيين بزعامة عامير بيريتس اليهودي مغربي الأصل، وعن العمال والفقراء وعن حقوق الأجر للعامل، وكذلك حصل حزب "شاس" على ثلاثة عشر مقعداً وهو مدافع رئيسي عن المخصصات المالية لليهود المتدينين الشرقيين، وكذلك حصل حزب "يهدوت هتوراة" المدافع عن مخصصات اليهود المتدينين الغربيين وحقوقهم في الدعم الاقتصادي على أربعة مقاعد. ويضاف إلى هذه الأحزاب أيضاً حزب "ميريتس" اليساري صاحب الصيحة الاجتماعية الدائمة والذي حصل على أربعة مقاعد، بالإضافة إلى الأحزاب العربية التي حصلت مجتمعة على عشرة مقاعد، وجميعها مهتمة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية للعرب وهو ما يجعل 51 مقعداً رهناً للسياسات الاجتماعية.
أما الظاهرة السياسية الأبرز، فهي الانهيار التام الذي لحق لحزب "الليكود" بزعامة نتانياهو صاحب صيحة رفض إقامة دولة فلسطينية والانسحاب من أي شبر في الضفة، بحصوله على أحد عشر مقعداً فقط ليتقدم عليه حزب يميني آخر هو "إسرائيل بيتنا" الممثل لليهود الروس، وهو يؤيد فكرة الانفصال من جانب واحد، والذي حصل على اثني عشر مقعداً بفضل تأييدهم ليس فقط لتطرفه اليميني، بل أيضاً لاهتمامه بقضاياهم الاجتماعية، وهو ما يعني أن اتجاه التصويت العام أخذ طابع التصويت الطائفي والمصلحي للشرائح المختلفة جنباً إلى جنب مع التصويت على محور السياسة الخارجية.