في مايو 2004، وبعد أن تم نشر صور انتهاك حقوق السجناء العراقيين في معتقل "أبوغريب" بأسابيع، جلس قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط أمام أعضاء من الكونجرس، وأطلعهم على ما اعتبره المبدأ الأساسي للقيادة العسكرية.
قال الجنرال جون أبي زيد:"إن ضباط المؤسسة العسكرية الأميركية مسؤولون... وكل ضابط عسكري مسؤول عما قامت به وحدته أو وحدتها أو حتى ما أخفقت في القيام به". مع ذلك، وبعد مرور سنتين على ما قاله "أبي زيد" وفي الوقت الذي تقترب فيه المؤسسة العسكرية الأميركية من إنهاء محاكمات هؤلاء الذين قاموا بارتكاب الأفعال الظاهرة في الصور، فإن المسؤولية عن تلك الجرائم تم تحميلها بالكامل للرتب الصغرى. والأسئلة المتعلقة بالأسباب التي حدت بالإدارة إلى القيام بذلك غطت –من عدة نواحٍ- على باقي جوانب العملية القانونية.
الأسباب عديدة ولنبدأ بالأوضح: إن هؤلاء الذين ارتكبوا الجرائم التي تم تسجيلها هم أسهل من يمكن الإيقاع بهم. مع ذلك، فإن العديد من الخبراء يقولون إن الدرس الذي يمكن استخلاصه من المحاكمة العسكرية التي تم إجراؤها للمتهمين بانتهاكات "أبوغريب" هي: أنه بمجرد أن تخف فوضى الحرب، فإن مسألة تعقب خط المسؤولية من أدنى سلم الرتب العسكرية إلى أعلاه، يغدو أمراً أكثر صعوبة باستمرار.
ففي هذه الحالة فإن التشويش لم يكن ناتجاً عن القنابل والرصاص، ولكنه كان ناتجاً عن قرار الإدارة الذي اتخذته قبل الحرب، والخاص باتباع قواعد جديدة وغير معرَّفة بدقة لمعاملة المعتقلين. فمع تلك القواعد الجديدة زحف أسوأ ما في الحرب إلى داخل بلوكات الزنازين، في الوقت الذي تبخرت فيه سلسلة القيادة أو كادت.
"ضباب الحرب موجود بالطبع، وهذا هو السبب الذي يجعل من الضروري أن تكون واضحاً للغاية، وأن تتدرب بشكل مستمر" هذا ما يقوله "والتر هوفمان" الذي خدم في وظيفة نائب أحكام عسكرية في الجيش خلال الفترة من 1997-2001. ويضيف "هافمان": "عندما تقوم بإدخال عنصر عدم اليقين في الموقف المشحون في الأصل بعدم اليقين، فإن تجربتي تقول لي إن هذا هو ما يحدث عادة".
وتحديد المسؤولية عبر تراتبية سلسلة القيادة العسكرية، يعتبر من ضمن المهام الشائكة للغاية بالنسبة للعسكريين، سواء كان الحادث موضوع البحث متعلقاً بسفينة جنحت إلى الشاطئ، أو بخطة معركة.
وفيما يتعلق بـ"أبوغريب" كان هؤلاء الذين تحملوا اللوم العام، كما تحملوا قضاء مدة في السجن هم مجموعة من المجندين والمجندات.
في الأسبوع الماضي، عقدت المحكمة العسكرية الخاصة بانتهاكات "أبوغريب" جلستها العاشرة. وكما حدث في الجلسات الأخرى، تمت إدانة المتهمين الذين لم تتجاوز رتبة أي واحد أو واحدة منهم الرقيب أول. وهناك محاكمة عسكرية نهائية ستعقد في مايو وهي أيضا خاصة بمحاكمة رقيب. من بعض الجوانب، يمكن القول إن هذا هو ما يحدث دائماً. ويرجع هذا لأسباب ليس أقلها هو أن احتمال قيام الجنود في الميدان بارتكاب جرائم حرب يفوق احتمال قيام الضباط خلف الخطوط بذلك. ولكن بعض الخبراء يقولون إنه ليس معنى هذا أن الضباط لا يرتكبون جرائم، فالحقيقة أن بعضهم يفعل ذلك، ولكن بشكل مختلف.
وما حدث في سجن "أبوغريب"العراقي سار على هذا المنوال. فالضابطان الأعلى رتبة اللذان عرف أنهما قد حوكما بصدد هذه الفضيحة -البريجادير جنرال "جانيس كاربينسكي" (إمرأة) والكولونيل توماس باباس- عوقبا عقاباً غير قضائي ولكنه أثر على مستقبلهما المهني تأثيراً سلبياً للغاية. ومع ذلك فإن القاعدة العامة هي أن العقوبات غير القضائية لا يتم إعلانها، وبالتالي فإنها تنال قدراً من الاهتمام أقل من ذلك الذي تناله المحاكم العسكرية.
يبدو الموضوع للبعض شبيها بقائد شرطة لا يقوم بالإشراف على جنوده أثناء قيامهم بواجباتهم اليومية المعتادة لأنه يرى ألا حاجة تدعوه لذلك. حول هذه النقطة يقول "ويليام إيكهاردت" الذي كان يشغل منصب كبير المدعين في القضايا المتعلقة بمذبحة "ماي لاي" التي حوكم فيها جنديان أميركيان بتهمة قيادة مذبحة للقرويين الفيتناميين عام 1968: "نحن لا نقوم -مع ذلك- بإدانة الأشخاص جنائياً بناء على المنصب فقط. وعلى ما يبدو فإن الأمور تمضي بالنسبة لقضية أبوغريب بالطريقة التي يفترض أن تمضي بها".
والبعض الآخر يتابعون إجراءات محاكمة "أبوغريب" ويتساءلون عما حدث عندما قام محامي دفاع حقيقي (وليس محامي دفاع في مسلسل تلفزيوني) بالربط بين عناصر الموضوع من خلال الربط بين الأفعال التي ارتكبها ضباط الصف، وبين الأوامر التي كانت قد صدرت لهم من قياداتهم.
يقول هوفمان: "محامو الدفاع كانوا جيدين جداً في الدفاع عن موكليهم، ولكنني كنت أتوقع أن يتم استدعاء عدد أكبر من الضباط الكبار للمحاكمة كشهود نفي". "هوفمان" هنا يشير إلى الضوابط المتعلقة بالمحاكم العسكرية، والتي يمكن أن تتم بموجبها محاسبة الضباط الكبار عن الانتهاكات التي يرتكبها جنودهم، إذا ما كانوا قد قاموا بإعطائهم أوامر صريحة بتعذيب المعتقلين. ولكن هذا الأمر في ح