أعلن خطاب صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" بمناسبة العيد الوطني الرابع والثلاثين لدولة الإمارات خطة وطنية شاملة يتم العمل بمقتضاها خلال المرحلة المقبلة وبداية لانطلاق مرحلة سياسية جديدة بعد أن أعلن عن إدخال تعديلات على أسلوب اختيار أعضاء المجلس الوطني يجمع بين الانتخاب والتعيين وذلك لإطلاق مرحلة دستورية جديدة قائمة على المشاركة السياسية وتمكين الإماراتيين من اختيار ممثليهم في المجلس الوطني الاتحادي كمرحلة أولى تسبق الوصول لمجلس وطني منتخب بالكامل. ففي خطوة أولى سيتم تشكيل مجلس انتخابي أو هيئة انتخابية مصغرة سيتم اختيارها من الجهات المعنية في الإمارات السبع بمقدار مئة ضعف أعضاء الإمارة في المجلس الوطني كحد أدنى. سيختار هذا المجلس بدوره نصف الأعضاء الأربعين الذين يشكلون المجلس الوطني الاتحادي على أن يتم تعيين النصف الآخر من المجلس الوطني الاتحادي. تتوزع مقاعد المجلس الوطني الاتحادي بحسب التالي: 8 مقاعد لكل من أبوظبي ودبي و6 مقاعد لكل من الشارقة ورأس الخيمة و4 مقاعد لكل من عجمان وأم القيوين والفجيرة، وترك الدستور لكل إمارة طريقة اختيار المواطنين الذين يمثلونها في المجلس حسب المادتين (68) و(69)، وينتظر في نهاية الشهر الحالي أن تسلم الجهات المعنية قوائم بأسماء الهيئة الانتخابية المنتقاة الخاصة بكل إمارة لأعضائها المحتملين في المجلس الوطني المقبل.
يقاس تطور المجتمعات اليوم بوضع المرأة فيها ولا يمكن لأي مجتمع أن يدعي بأنه متقدم أو يسير على طريق التطور عندما يكون نصفه مهمشاً، وتعتبر مشاركة المرأة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية، حيوية لنمو المجتمع وتطوره من ناحية ولإحداث التوازن فيه من ناحية أخرى. وفي ظل الدعوات للإصلاح والدمقرطة، تبرز حقيقة أن التمثيل النيابي للمرأة ليس هدفاً بحد ذاته، بل هي وسيلة لإشراك المرأة والرجل في صنع القرار معاً مما من شأنه أن يؤدي إلى توازن يعكس بصورة أدق تكوين المجتمع على اعتبار أنها تشكل نصف المجتمع. وفي هذا السياق، يحتل موضوع مشاركة المرأة في العملية السياسية أولوية مجتمعية، وفي دولة الإمارات ينتظر أن تعكس القوائم الانتخابية للإمارات الأعضاء الثقة التي توليها القيادات السياسية للفعاليات النسائية للمساهمة في الحياة العامة، وينتظر أن تعكس واقع مشاركة المرأة المتصاعدة في الحياة الاجتماعية والسياسية والتعليمية للمرأة الإماراتية. ولكن وقياساً على تجارب عربية وخليجية فإن وصول المرأة للمقاعد النيابية في الانتخابات التشريعية لا يزال موضع تساؤل، حتى في حال المساواة القانونية مع الرجل في فرص الترشح والانتخاب، وحتى لو تساوى عدد النساء المشاركات في الاقتراع مع عدد الرجال، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن تكون المحصلة تمثيلاً في الهيئات المنتخبة يوازي نسبتهن في المجتمع، أو يدنو منها وهذا واقع سياسي تتساوى فيه الدول المتقدمة مع الأكثر تخلفاً. لذا وانطلاقا مما وصلت إليه المجتمعات العربية والخليجية في تجاربها في مجالسها النيابية، وفي كل الأحوال فإن الاستفادة الواعية المستقلة من خبرات التجارب الإنسانية تزيد أية تجربة جديدة غنىً واتساعاً نحو تقدم المرأة لنيل حقوقها السياسية، وعليه فالسؤال هنا: ما الحل؟.
توصلت العديد من النظم السياسية في الكثير من الدول المتقدمة والنامية وكحل لإشكالية التمثيـل السياسـي للمـرأة إلى سن تشريعات تضمن وصولها إلى المجالس النيابية عن طريق ما يسمى نظام "الكوتا" الذي يمنح المرأة نسبة معينة من المقاعد يختلف عددها بين بلد وآخر، فبإمكان "الكوتا" إحداث نقلة نوعية في عدد السيدات المشاركات في العملية السياسية فبدلا من وجود فردي ومحدود متناثر تحقق "الكوتا" انتقالاً كمياً للمرأة من هامش العمل السياسي إلى التيار الرئيسي في الحياة السياسية، ويساهم تجمع من النساء في المجالس النيابية في تقدم قضايا الأسرة والمجتمع على أجندة الحكومة ويساهم في مناقشة قضايا المرأة القانونية والاجتماعية بصورة أكثر فعالية.
فلماذا "الكوتا" في دولة الإمارات؟ إن العمل السياسي في مجتمع الإمارات كان وما يزال مقتصراً على الرجل فإن ساهمت المرأة فيه كانت مساهمتها خجولة لذا، ولنكنْ واقعيين، فإن فرص انتخاب المرأة حال الترشح ضئيلة. لذا فإن تخصيص مقاعد للنساء في المجلس الوطني الاتحادي يلبي احتياجات توسيع المشاركة السياسية، للنساء ولا يتعارض مع الدستور بل يعتبر مكملاً للمبادئ الأساسية للدستور بما فيها تحقيق المساواة، ولا يمكن اعتبار "الكوتا" تمييزا ضد الرجال حتى لو سماه البعض تمييزاً إيجابياً بل هو تعويض للمرأة عن التمييز المجتمعي الذي تعانيه، وفي ظل الحقائق على الأرض لا يمكن أن ننتظر زيادة تلقائية في المكانة السياسية للمرأة. بل إن زيادة المشاركة السياسية والمكانة السياسية للنساء مدخل من مداخل تطوير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والقانونية للمرأة، وليس من قبيل التطرف الجنس