حظيت تصريحات د. علي الكعبي، وزير العمل، ضمن تعقيبه على التقرير الصادر مؤخراً عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، باهتمام إعلامي لافت في الصحافة العالمية، وقدمت تصريحاته موقفاً رسمياً إماراتياً كان الجميع ينتظره ويترقبه، لأن الانتقادات التي وردت بتقرير المنظمة اتسمت بالحدة وافتقرت إلى الشفافية والموضوعية. وإذا كان وزير العمل قد فنّد تقرير المنظمة وطرح وجهة النظر الإماراتية في هذا الإطار، فإن من الضروري التأكيد أيضاً أن ظاهرة "العمالة الرخيصة" ليست حكراً على دولة الإمارات، ولم تكن هي صاحبة الفكرة ومن ابتدع هذا النهج في الاقتصاد العالمي، بل إن ما تعتبره التقارير الصحفية ظواهر وممارسات "حصرية" تنفرد بها اقتصادات دول مجلس التعاون مثل تأخر صرف الرواتب وغير ذلك، ليس حكراً أيضاً على بعض شركات القطاع الخاص في المنطقة. فهذه العمالة الرخيصة كانت محور تقرير نشرته مؤخرا مجلة "فوربس" أشارت فيه إلى ما وصفته بـ"إدمان الكوكايين الرخيص في الاقتصاد العالمي"، وذكرت فيه أن "الحقيقة هي أن قوة العمل الأجنبية الرخيصة ظلت لمدة طويلة -وما زالت- محرك النمو بالنسبة إلى كثير من دول العالم المتقدمة وهي كذلك في منطقة الخليج العربي" وضربت العديد من الأمثلة عالمياً على ذلك.
ورغم أن تفشي أي ظاهرة سلبية لا يوفر مطلقاً مبرراً أو غطاء قانونياً لها ولا يعد أيضاً دافعاً للتسيلم بوجودها واستمرارها، فإن من الضروري لفت الأنظار لذلك، لأن الحديث عمّا يوصف بـ"ممارسات حصرية" ينطوي على اتهامات مرفوضة بشأن أنماط التعامل السائدة مع العمالة الوافدة، فالعمالة الرخيصة ظاهرة تنتشر في أكبر اقتصادات العالم وأسرعها نمواً، وقد أسهمت هذه النوعية من العمالة في تحويل العديد من الدول إلى ورش صناعية عالمية، ودفعت اقتصاداتها إلى مصافّ الاقتصادات الأسرع نمواً، وهناك الكثير من التقارير المنشورة والشواهد المعلنة على أن التوسع الهائل في النمو يفرز مخالفات فردية على نطاقات محدودة، ويولد إشكاليات عمالية من مثل تأخر صرف الرواتب وتدني الأجور وعدم الالتزام بتنفيذ بنود العقود، ولكن يبقى الفيصل في ذلك كله هو موقف المستوى الرسمي في الرد على هكذا خروقات، وهنا تحديداً ينبغي الفصل بين الملفات وعدم خلط الأوراق والقفز إلى استنتاجات غير حقيقية، مثل القول بأن حكومة دولة الإمارات "تتغاضى" عن هذه المشكلات، أو أنها لا تبدي حرصاً على إيجاد الحلول، رغم أن هناك عشرات بل مئات من الأدلة والشواهد على جدية الدوائر الرسمية في التصدي لهكذا ممارسات.
وإضافة إلى ما سبق، يلاحظ أن التقارير الإعلامية المنشورة تتفق جميعها في كونها نقلت عن العمال إدانات مباشرة لمكاتب توريد العمالة في البلاد المصدّرة، حيث وجّهت أصابع الاتهام بوضوح من دون لبس إلى هذه المكاتب في النصب على مواطنيهم واستنزاف مدخراتهم من أجل تحقيق حلم السفر للعمل في منطقة الخليج، وهذا الملف تحديداً يستحق معالجة فورية صارمة بدلاً من الاكتفاء بإلقاء اتهامات التقصير جزافاً، فالجهات الرسمية الإماراتية ليست أقل حرصاً من أي طرف آخر على تسوية هذه الإشكاليات، ليس فقط من باب الحفاظ على الصورة الذهنية ولكن أيضاً حرصاً على استقرار سوق العمل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية