في نهاية الشهر الماضي أطلقت وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات بالتعاون مع وزارة الصحة، برنامج المدارس الصديقة للطلاب المصابين بالأزمة الشُّعبية أو الربو الشُّعبي. ويهدف هذا البرنامج إلى تشجيع المدارس الحكومية والخاصة على حد سواء، على تبني سياسات عامة وإجراءات خاصة، تهدف إلى احتواء هذا المرض بشكل أفضل بين طلابها المصابين به. ومن بين النشاطات والفعاليات المتعددة لهذا البرنامج، ربما كان أهمها، هو إطلاق عيادة متنقلة متكاملة للأزمة الشُّعبية، يخطط لها أن تتنقل بين المدارس في مدن وقرى الدولة، لتشخيص وقياس وظائف الرئة بين الطلبة المصابين بالمرض، وتقديم المشورة والعلاج إذا ما تطلب الأمر. ويكفي أن نسترجع هنا إحصائيات وزارة الصحة، كي ندرك مدى انتشار مرض الأزمة الشعبية بين الأطفال والطلاب. فمن بين كل ثلاثين طالباً، يوجد ثلاثة مصابين بالأزمة الشعبية، وعلى الرغم من ذلك تشير إحصائيات الوزارة إلى أن جميع الحالات التي يتم تشخيصها من قبل الأطباء بين طلاب المدارس الابتدائية، لا تمثل إلا 13% من معدل انتشار المرض. وهو ما يؤكده عدد المراجعات في مراكز الصحة الأولية بسبب الأزمة الشعبية، وهي المراجعات التي تزيد على 76 ألف مراجعة سنوياً، أو 19 مراجعة تقريباً من بين كل ألف من السكان. وهو أيضاً ما يجعل الأزمة الشُّعبية أحد أهم الأسباب خلف التغيب المرضي عن الدراسة. حيث يتغيب الطلاب المرضى بالأزمة الشعبية خمسة أيام في المتوسط، في العام الدراسي الواحد بسبب مرضهم. وهو ما يجعل من برنامج المدارس الصديقة لمرضى الأزمة الشعبية مبادرة فريدة، ليس فقط على صعيد إدراك مدى تأثير هذا المرض على الطلاب المصابين به، وعلى العملية التعليمية برمتها، بل أيضاً على صعيد اتخاذ خطوات فعالة للتخفيف من هذا الأثر.
وعلى الرغم من أن الأزمة الشُّعبية مرض قديم، حيث كتب عنه "أبوقراط" في اليونان القديمة وذكره الأطباء الرومان، فإن الطب الحديث لا زال عاجزاً عن إيجاد علاج شافٍ يمكنه القضاء على المرض، وما هو متاح حالياً لا يزيد على كونه تدابير للتحكم في المرض ليس إلا. وتنتج الأزمة الشُّعبية من ضيق في المجاري التنفسية، نتيجة التعرض لعوامل متعددة، مثل حبوب اللقاح، وغبار المنزل، وبرودة الجو أو التغير المفاجئ في درجة حرارة الهواء، أو بسبب ممارسة التمارين الرياضية، وأحياناً حتى بسبب التوتر العاطفي أو الضحك. هذا الضيق في المجاري التنفسية تظهر أعراضه على شكل: ضيق شديد في التنفس، مع صفير أو أزيز مع الزفير، ونوبات من السعال الحاد والمتكرر. هذه الأعراض تأتي في شكل نوبات، يكون المريض في حالة طبيعية تماماً بين كل نوبة ونوبة. ولم يدرك الأطباء طبيعة هذا المرض، إلا قبل عقود قليلة، حيث اكشفوا أنه عبارة عن التهاب مزمن في المجاري التنفسية، يجعلها شديدة الحساسية للمثيرات الخارجية والداخلية. هذا الالتهاب يظهر في شكل إنتاج غزير للمخاط، مع زيادة في سُمك جدران الشعب الهوائية، مما يتسبب في انسداد المجاري التنفسية، والذي إما أن يكون خفيفاً، أو خطيراً إلى درجة تتسبب في الوفاة.
وتنتشر الأزمة الشُّعبية بشكل واسع بين أفراد الجنس البشري، حيث تشير التقديرات إلى وجود ما بين 100 مليون إلى 150 مليون شخص مصابين بالأزمة الشُّعبية، مع وجود توقعات وتنبؤات بأن يزداد هذا العدد بأكثر من 50% كل عشرة أعوام، وهو ما يمكن ترجمته إلى أكثر من 200 مليون مصاب خلال العقد القادم. وبخلاف الإعاقة البدنية والصحية اللتين تسببهما الأزمة الشُّعبية للمصابين بها، ينتج عنها أيضاً عدد ضخم من الوفيات. فحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، تتسبب الأزمة الشعبية في وفاة أكثر من 180 ألف شخص سنوياً حول العالم.
ورغم نقص إدراك الطب الحديث للميكانيزمات المرضية الباثولوجية التي تتسبب في إصابة البعض دون الآخرين بالأزمة الشُّعبية، فإنه لا يوجد نقص في قائمة الأسباب المشتبه بها، أو المعروف عنها إطلاقها للنوبات بين المصابين. من بين تلك الأسباب، توجد مجموعة خاصة تتعلق بظروف الحياة العصرية، مثل انخفاض الاعتماد على مصادر التهوية الطبيعية داخل المنازل، نتيجة لانتشار استخدام المكيفات، بالإضافة لانتشار استخدام "الموكيت"، بما يحمله من غبار منزلي معروف عنه التسبب في نوبات حساسية لدى الكثيرين. أما آخر الأسباب المشتبه بها، فهي تلك التي ظهرت في دراسة كندية أجريت على أكثر من 12 ألف طفل، ونشرت نتائجها قبل أسبوعين، ووجدت علاقة بين علاج الأطفال دون سن الواحدة بالمضادات الحيوية، وبين إصابتهم بالأزمة الشُّعبية في سنوات الطفولة اللاحقة. أما أغرب النظريات التي تحاول تفسير الزيادة المطردة في الأزمة الشُّعبية خلال السنوات والعقود الماضية، فهي تلك التي توجه أصابع الاتهام للتطور والاختراقات التي حققها الطب الحديث في مجال الوقاية من وعلاج الأمراض المعدية، وخصوصاً في مجال التطعيمات الطبية! فحسب هذه النظرية، أدى التطور الهائل في مجال تطعيم الأطفال إلى وقايتهم ضد الإصابة بالك