بعد عقود قامت خلالها بالاحتفاظ بمسافة فاصلة بينها وبين الدول الإسلامية في الشرق الأوسط، تحاول تركيا في الوقت الراهن تحسين علاقاتها مع جيرانها في المنطقة، مع القيام في نفس الوقت بإعادة صياغة نفسها بحيث تتحول إلى وسيط يسهم في حل توترات المنطقة.
في هذا السياق، قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بإلقاء كلمة في افتتاح مؤتمر القمة العربية التي عقدت قبل أيام في العاصمة السودانية الخرطوم، وهي القمة التي أُعطيت فيها تركيا لأول مرة وضعية "الضيف الدائم" من قبل الجامعة العربية.
وظهور رئيس الوزراء التركي في القمة– وهي أول مرة يقوم فيها زعيم تركي بذلك- يمثل الحلقة الأخيرة من سلسلة من التحركات الدبلوماسية المثيرة للدهشة التي قامت بها تركيا: ففي شهر فبراير الماضي، استقبلت أنقرة وفدا من حركة "حماس" الفلسطينية برئاسة خالد مشعل، وبعد ذلك بمدة قصيرة استقبلت رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري الذي قام بزيارة إليها لبناء الجسور بين البلدين.. كما أعلنت الحكومة التركية مؤخراً أنها تخطط لاستقبال الزعيم الديني الشيعي العراقي المثير للمشاكل مقتدى الصدر في زيارة رسمية، وذلك بعد أن كانت قد علقت هذه الزيارة من قبل.
وفي حين أن هذه التحركات قد أزعجت طائفة من الدول بدءاً من إسرائيل والعراق وحتى دول الاتحاد الأوروبي، الذي تأمل أنقرة في الانضمام إليه، فإن المحللين يقولون إن تلك الخطوات لا تمثل أخطاء سياسية، بقدر ما هي انعكاس لتغير دال في سياسة تركيا الشرق أوسطية.
"إن تركيا تريد أن تعمل كحاملة رسالة من العالم الإسلامي إلى الغرب" هذا ما قاله "حسين بخشي" أستاذ العلاقات الدولية في جامعة" ميدل إيست تيكنيكال" في أنقرة، والذي قال أيضا: "إن الحكومة التركية تؤمن حقا أنها قادرة على العمل كجسر بين الشرق والغرب... وهذا هو جوهر سياستها الخارجية."
ويذكر أن الحكومة التركية كانت قد عرضت العمل كوسيط بين الاتحاد الأوروبي والعالم الإسلامي إبان أزمة الرسوم الكرتونية المثيرة للجدل والمسيئة لشخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم. كما ألمحت تركيا كذلك إلى أن صلاتها مع الغرب، وعلاقاتها الآخذة في التحسن مع إيران، يمكن أن تساعدها على العمل كوسيط في الأزمات الدبلوماسية المتعلقة ببرنامج طهران النووي المتنازع حوله.
حول ذلك يقول مسؤول كبير في وزارة الخارجية التركية" لدينا صلات تاريخية مع المنطقة ومع الشرق الأوسط بشكل عام... كما أن تركيا تتمتع بميزة مهمة في هذا السياق، وهي وجود علاقات بينها وبين جميع الدول في المنطقة دون استثناء، ولذلك أقول إننا قادرون على أن نقوم بتوصيل الرسالة بشكل كفء وفعال لأننا نحظى بثقة طرفي العديد من الصراعات والنزاعات القائمة في المنطقة".
بيد أن هناك بعض المنتقدين الذين يقولون إن هذه السياسة معيبة، وأنها تحمل في طياتها خطر إقصاء تركيا عن حلفائها الغربيين. فعلى سبيل المثال تعرضت الزيارة التي قام بها رئيس الدائرة السياسية لحركة "حماس" خالد مشعل إلى إدانة عنيفة من جانب كل من إسرائيل- الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي دخلت معها تركيا في حلف عسكري- ومن جانب أعضاء الكونجرس الأميركي.
علاوة على ذلك تم النظر من جانب بعض الدبلوماسيين الغربيين إلى المحاولات التركية الرامية لترقية العلاقات بينها وبين النظام السوري على أنها أدت إلى نتائج عكسية كما تناقضت مع الجهود التي كان الغرب يبذلها لاحتواء نظام الرئيس بشار الأسد.
" تستطيع أن ترى صدعاً بين الأشخاص الذين يديرون "وزارة" الخارجية، وهؤلاء الذين يديرون "السياسة" الخارجية لمصلحة( حزب العدالة والتنمية الحاكم) وهو ما يمثل في الحقيقة صراعاً للسيطرة على المسار المستقبلي للسياسة الخارجية التركية". كان هذا هو ما جاء على لسان دبلوماسي غربي يعمل في أنقرة طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع. وأضاف هذا الدبلوماسي: "هذه ظاهرة جديدة برزت للعيان خلال الشهور القليلة الماضية".
"هناك موضع يمكن أن يجعلها(سياسة تركيا الخارجية) غير صالحة، وهو أنك كي تنجح كوسيط، فإن ما تقوم به يجب أن يحظى ببعض الدعم من الطرفين وليس من طرف واحد فقط. وإذا لم تتمكن من الحصول على دعم من الطرفين فإن ما تقوم به لن يحقق نتائج وبالتالي يصبح غير ذي صلة" كان هذا هو ما قاله البروفيسور هنري باركي رئيس قسم العلاقات الدولية بجامعة "ليهاي" في بنسلفانيا بالولايات المتحدة. ويضيف "باركي": كما أن مثل تلك السياسة يمكن أن تؤثر على مصالح تركيا: فعلى سبيل المثال كان هناك بعض أعضاء الكونجرس الأميركي المؤيدين للغاية لتركيا، ولكن هؤلاء الأعضاء لن يقوموا بعد زيارة مشعل بتحريك ساكن عندما يتعلق الأمر بمسألة من المسائل التي تهتم بها أنقرة".
ويضيف باركي أيضا:" لا أعتقد أن هناك أحدا في واشنطن يتوقع أن تقوم تركيا بتخفيض مستوى علاقاتها مع إيران أو سوريا. ولا أعتقد أن هناك من يلقي باللوم على تركيا على قيامها بتكوين علاقات أفضل من تلك التي أقمناها نحن مع إيران أو سوريا. ولكن عندما يكو