قامت إدارة بوش بضخ ملايين الدولارات من أجل إنشاء وسائل إعلام خبرية على النمط الغربي في العراق، كما قامت أيضاً بدعم محطتين تلفزيونيتين، ودعم برامج تدريبية للصحفيين العراقيين عن التوازن والأخلاقيات.
وقد ساعدت هذه الجهود على إطلاق ما يزيد على 12 قناة تلفزيونية عراقية. ولكن النتائج التي تحققت لم تكن هي النتائج التي كانت تتطلع إليها الإدارة في البداية. فحسبما يقول النُقاد، فإن الغالبية العظمى من تلك القنوات تتبنى خطاً طائفياً واضحاً ومتصاعداً، بل وتبدو في غالبية الأحيان وكأنها تقوم بتأجيج نيران التوترات الموجودة في البلاد.
تمثل ذلك بشكل واضح منذ أيام في محطة "العراقية" المملوكة للحكومة. وذلك عندما قطعت القناة إرسالها المعتاد، لكي تعرض بدون توقف فيلما يصور جثثا غارقة في الدماء ملقاة داخل ما قالت القناة إنه أحد المساجد في بغداد.
وكانت القوات الأميركية والعراقية قد قامت بقتل 16 شخصاً على الأقل مساء الاثنين الماضي، فيما وصفه الأميركيون بأنه كان نتيجة لعملية تبادل لإطلاق النار مع المسلحين.
ولكن شاشة "العراقية" صورت الأمر على أنه عمل قتل متعمد للمصلين العزل داخل مسجد شيعي. وفي المقابلات التي أجرتها القناة مع السياسيين الشيعة الذين يقومون بانتقاد الأميركيين، كانت الكاميرا تقطع المقابلة وتقوم بالتركيز مرة أخرى على صور جثث القتلى، ووجوه الأقارب المحزونين.
يذكر أن هذه القناة قد تم إنشاؤها بواسطة سلطة "الائتلاف المؤقتة" التي كانت تقودها الولايات المتحدة، كقناة تجريبية عامة. وفيما بعد، تم نقل الإشراف عليها إلى الحكومة العراقية، وينظر إليها الآن على نطاق واسع على أنها "قناة طائفية".
يقول "محمد شابوط" محرر صحيفة "الشعب" اليومية الحكومية "كان من المفترض أن تكون هذه القناة محايدة، وأن تخاطب جميع سكان العراق. ولكنها حتى الآن لم تنجح في تحقيق هذا الهدف الوحيد".
ويقوم العراقيون الذين يلزمون بيوتهم عادة بسبب العنف وحظر التجول بمشاهدة العالم الذي يعيشون فيه من خلال القنوات الفضائية. ولكن التنقل بين الفضائيات العراقية لا يقدم في معظم الأحوال سوى رؤية للبلاد من خلال منظورات طائفية.
فإذا ما قام شخص ما بالضغط على زر "الريموت كونترول" فسوف يسمع مذيعاً يصف التمرد الذي يقوده السنة بأنه "مقاومة بطولية"، في الوقت نفسه الذي سيشاهد فيه على الشاشة صور العراقيين الجرحى والجنود الأميركيين وهي تتوالى على الشاشة. فإذا قام هذا الشخص بالضغط مرة أخرى على زر "الريموت كونترول"، فسوف يجد نفسه يشاهد قناة أخرى تصف المتمردين بأنهم "إرهابيون" وتمتدح الغارات التي تقوم بها الحكومة ذات الأغلبية الشيعية على أوكارهم.ما قبل الغزو الذي قادته أميركا للعراق، كانت القناتان التلفزيونيتان اللتان تديرهما الحكومة تقومان بالتركيز على تقديم الدعاية الرئاسية والأغاني الوطنية.
ولكن الإطاحة بصدام حسين، أطلقت ثورة تلفزيونية أدت إلى تدشين ما يزيد على 12 قناة عراقية جديدة. وتلك القنوات تجتذب المشاهدين من خلال عرض التمثيليات المحلية، بالإضافة إلى طائفة من برامج تلفزيون الواقع والبرامج الخاصة بالأزياء، وأساليب الزينة والتجميل.
وفي الوقت الذي تزدهر فيه البرامج التي تساعد الناس على الهروب من الواقع المرير الذي يعيشون فيه، فإن هناك برامج أخرى تقوم بإثارة المشكلات. فالتغطية التلفزيونية لحادث نسف قبة المسجد الذي يضم المراقد في سامراء والذي كاد يدفع بالبلاد إلى حرب أهلية كانت تعتمد على التهييج والإثارة بشكل لافت.
فالقنوات المرتبطة بالسنة العرب مثل "قناة بغداد" والتي يشرف عليها "الحزب الإسلامي العراقي"، ركزت على تصوير ما وصفته بمعاناة السُنة جراء الهجمات الانتقامية التي قام الشيعة بشنها عليهم.
أما المحطات التي يديرها الشيعة مثل قناة "الفرات" وقناة "العراقية" التي تديرها الحكومة، فقد ركزت على حجم الدمار الذي وقع في المسجد ومعاناة الشيعة تحت حكم صدام حسين. وعلى محطة تلفزيون "بغداد" استقبل مقدمو البرامج السنة مكالمات من المشاهدين الذين قام بعضهم بالدعوة إلى تكوين مليشيات سنية لمواجهة ما أطلقوا عليه المليشيات الشيعية.
أما محطة "الفرات" المدعومة من قبل "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" وهو الحزب الشيعي الرئيسي في البلاد، فقد كانت تقوم بإذاعة شعارات تطالب الشيعة بأن يهبوا للدفاع عن حقوقهم.
يذكر أن مصداقية محطة "العراقية" كان مشكوكاً فيها منذ البداية بسبب أصولها الأميركية، أما الآن فإننا نجد أنه حتى بعض الشيعة أصبحوا يوجهون انتقادات لها بسبب تغطيتها المتزلفة للحكومة التي يسيطر عليها الشيعة.
يقول "أحمد حسين" وهو رجل أعمال شيعي: "عندما يحدث شيء في المناطق التي تسكنها أغلبية شيعية، فإننا نرى تغطية كاملة. أما عندما يحدث شيء مماثل في المدن ذات الأغلبية السُنية، فإننا لا نجد تغطية كافية ولذلك فنحن نسمع السنة وهم يتساءلون: لماذا؟"،
وهناك قنوات أخرى أكثر طائفية في تغطيتها. فمنذ فترة قريبة، ووسط البرام