عندما قام الرئيس بوش بزيارة خاطفة إلى أفغانستان قبل توجهه إلى الهند كان أقرب من أي وقت مضى إلى أسامة بن لادن، العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر والذي يعتقد أنه يختبئ في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان. والواقع أن مجرد زيارة بوش لأفغانستان بينما بن لادن مازال حرا طليقا يؤشر على أننا لم ننجز مهمتنا المتمثلة في القضاء على "القاعدة" واستئصال شآفتهما. ويتوقف نجاحنا في استكمال تلك المهمة وقطع الطريق أمام "طالبان" على مدى التزامنا بالبقاء فوق الأراضي الأفغانية وعدم خفض قواتنا العسكرية المرابطة في البلاد. ففي الوقت الذي كان الرئيس بوش يقوم بزيارته إلى أفغانستان كان الجنرال مايكل مابلز، مدير وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، يدلي بشهادته أمام الكونجرس مؤكدا فيها تزايد عمليات "طالبان"، وتفاقم شدتها خلال فصل الربيع الجاري، مهددة بتقويض خطط الحكومة الأفغانية الرامية إلى بسط سلطاتها على جميع أنحاء البلاد.
وفي ظل هذه الأوضاع المأزومة تعتبر الخطة الحالية القائمة على استبدال القوات الأميركية البالغ قوامها 2500 جندي في جنوب أفغانستان بقوات كندية وهولندية وبريطانية ورومانية وأسترالية، خطأ كبيرا في التقدير. فبالنظر إلى تمرد "طالبان" المتصاعد، يتعين تعزيز القوات الحالية وليس تعويض القوات الأميركية. كما يتعين أيضا إعادة النظر في اقتراح الإدارة الأميركية تسليم قيادة القوات الأميركية إلى حلف شمال الأطلسي بداية العام المقبل. ورغم محاولة الجنرال جيمس جونزر القائد الأعلى لقوات "الناتو" التخفيف من التقديرات المتشائمة للجنرال مابلز، فإنه من الصعب إغفال الخطر الذي تمثله "طالبان"، فقد قفزت عملياتها بنسبة 20%، كما تضاعفت التفجيرات الانتحارية بأكثر من أربع مرات، ناهيك عن ارتفاع استخدام العبوات الناسفة كتكتيك مقتبس من المتمردين في العراق. وتتركز العمليات بوجه خاص في محافظات قندهار وأورزجان وهلماند، فضلا عن المناطق البشتونية التي تشكل المعقل الرئيس لـ"طالبان".
وفي العاشر من شهر يناير الماضي رفض الملا محمد عمر زعيم "طالبان" المنحدر من جنوب أفغانستان والذي تربطه علاقات وثيقة مع بن لادن دعوة وجهها له الرئيس حميد كرزاي للمصالحة، وحث في المقابل أتباعه على محاربة الحكومة. ويبدو أن أتباعه ينفذون فعلا ما يأمرهم به زعيمهم، ففي شهر يناير الماضي تعرض مدير إحدى المدارس في هلماند للقتل، كما أغلقت أكثر من 200 مدرسة في قندهار و165 مدرسة في هلمند أبوابها بسبب التهديدات الأمنية. ومن غير المرجح توقف العنف واستتباب الأمن ما لم تتخذ إجراءات قوية تعيد الثقة إلى الأهالي. لكن بوجود قوات "الناتو" في مناطق بعيدة نسبيا عن بؤر التوتر واقتصار دورها على مهمات حفظ السلام بدل الدخول في معارك مع المتمردين، تبقى ثمة شكوك قوية حول مقدرة "الناتو" على فرض سيطرته والقضاء على التمرد.
بل إن انسحاب القوات الأميركية من جنوب أفغانستان سيسهم في إضعاف قدرة الولايات المتحدة على مطالبة باكستان بمزيد من الحزم لمنع تسلل عناصر "طالبان" إلى الأراضي الباكستانية واستخدامها كقاعدة خلفية لعملياتهم. ويعتقد العديد من المسؤولين الأفغان أن أجهزة الاستخبارات الباكستانية التي كانت تربطها علاقات وطيدة مع "طالبان" في السابق، ربما تتراخى في مواجهتها إذا ما لمست تراجعا في اهتمام الأميركيين بالموضوع. ويشار في هذا الصدد إلى أن تعزيز الاستقرار في أفغانستان يعتمد بشكل أساسي على دعم الحكومة المركزية وتطوير الاقتصاد، فضلا عن مكافحة تجارة الأفيون المزدهرة في البلاد، وهو ما يستدعي تحييد "طالبان" وفرض الأمن في ربوع البلاد. بيد أن الانسحاب الذي تتحدث عنه الإدارة الأميركية دفع الكثير من القادة المحليين إلى الرهان مجددا على "طالبان"، كما تعثرت المسيرة الاقتصادية في البلاد بسبب "استهداف المتعاقدين وتعرض موظفي وكالة الغوث الأميركية للقتل".
وبينما يتم التركيز على ما يجري في العراق، على المسؤولين الأميركيين أن ينتبهوا أكثر إلى أفغانستان وكيف أن حركة "طالبان" انتعشت في ظل الفوضى التي أعقبت خروج القوات الروسية من أفغانستان وتخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها إزاء المنطقة، وهو ما دفعنا ثمنه باهظا في تفجيرات نيويورك وواشنطن.
كريس فان هولين
ــــــــــــــــــ
عضو ديمقراطي الكونجرس الأميركي
ـــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشطن بوست"