شكَّل البيان الختاميُّ للقمة جردةً شاملةً للقضايا والمشكلات العربية. بل الأصحُّ القولُ: المشكلات والقضايا التي أرتأت الدول العربية المعنيةُ إدراجَها، لأنها رأت في ذلك مصلحةً ما. أمّا ما ورد عن "المصالح غير المباشرة" من العناية بالثروتين النباتية والحيوانية... وإلى حوار الحضارات، فهو من صنع عمرو موسى الأمين العام للجامعة، لاستكمال المشهد مثل فضائل الأعمال في الحديث النبوي: أعلاها الشهادتان، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق! ولستُ أقصِدُ إلى الاستخفاف أو الاستهجان. فالقمةُ ضمّت هذه المرة أكثر من نصف قادة الدول العربية، وهي تعرضُ مشكلاتٍ حقيقيةً في الأكثر، وتحاولُ الوصولَ إلى قراراتٍ فيها. لكن لأنّ القرارات لفظية أو إنشائية؛ فإنها مفيدةٌ للدول المعنية من الناحية الرمزية وحسْب. ولأضربْ هنا مثلين اثنين بل ثلاثة: مسألة التعامل مع الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث لدولة الإمارات، وكيفية التعامل مع مشكلتي فلسطين والعراق. في المسألة الأولى، والتي تتكرر على جدول أعمال القمة منذ عقدين وأكثر فضلاً عن مؤسسات الجامعة الأخرى، لا أحسبُ أنّ دولةً عربيةً مؤثّرةً علّقت صِلاتها بإيران على حلّ مشكلة الجزر. فعندما تكون العلاقة متوترةً مع إيران نقول ليس الظرف مناسباً، وعندما تكون العلاقات حسنة نقول: الأفضلُ عدمُ إزعاجها! وانتهى الأمر بأنْ لم تعد إيران تحسبُ حساباً لأي موضوعٍ عربي، باستثناء ما تعتبره حيوياً لمصالحها، بغضّ النظر عن وجهة نظر العرب أو الدول المعنية به. والعراقُ هو المَثَلُ الثاني على ذلك. فما أقبلت دولةٌ عربيةٌ على تأييد غزو العراق عَلَناً، وكانت دولٌ عربيةٌ كثيرةٌ مستعدةً للمساعدة حتى بعد الغزو، لكنّ الأميركيين أبوا. وهكذا انشغل الأميركيون بمكافحة التمرد السني والإرهاب الزرقاوي، وتركوا لإيران التقرير كيف تقضم المناطق العراقية. وقد اختلفت الأطراف المسيطرة في العراق على كل شيء إلاّ على مسألتين: رفض التدخل العربي والتركي. ولذلك كان معبّراً استغاثة وزير الخارجية العراقية الكردي هوشيار زيباري بالعرب، وإخبارهم أنهم ما لم يتدخلوا؛ فإنّ أطرافاً أخرى ستتدخل. وقد بلغ الموقف من السوء أنّ العرب ما عادوا يطالبون القوات الأجنبية بالانسحاب، ويتكلمون على الدستور والانتخابات وضرورة احترامهما. وهذا كلامٌ يأتي في وقتٍ تنصرفُ فيه الولايات المتحدة للتفاوض مع إيران حول العراق! وهذا هو معنى الإنشائية في موقف القمة من الوضع في العراق.
ولندع العراق للحظةٍ إلى فلسطين. فبشأنها تحدث العرب عن مبادرة مؤتمر القمة في بيروت عام 2002. وتحدثوا عن رفض الحلّ الأحادي الإسرائيلي. وتحدثوا عن ضرورة قبول "حماس" باعتبارها خياراً حراً للشعب الفلسطيني بأكثريته. بيد أنّ العرب ما استطاعوا إقناع أحدٍ في المجال الدولي بخطتهم للسلام العادل والشامل، بدليل إقرار" اللجنة الرباعية " لخطة "خريطة الطريق". وبدليل تجاهُل شارون للخريطة، دونما عودةٍ لأوسلو ولا لقرارات الأمم المتحدة أو مبادرة بيروت. والذي أراه أنّ العربَ محقّون في تمسكهم بالمبادرة العربية رسمياً. لكنهم في الواقع دعموا خريطة الطريق، وبطلبٍ من الفلسطينيين أنفسهم. على أنّ الذي ساد على الأرض لا هذه ولا تلك، بل الانسحاب الأحادي من غزة، والذي يريد خلفاء شارون تنفيذه في الضفة الغربية والقدس. ومن حقّ العرب والفلسطينيين أن يرفضوه. بيد أنّ ما يحتاجُهُ الفلسطينيون أكثر بكثير وفي هذه الظروف بالذات. فقد أصرَّت القمةُ على ضرورة عدم تدخل أحدٍ في الخيار الحرّ للشعب الفلسطيني. وهذا أمرٌ محقٌّ أيضاً؛ لكنّ العربَ منزعجون ليس من ازدياد استعار الوضع في فلسطين فقط؛ بل ومن الخلاف المستحكم بين "حماس" و"فتح". إذ هناك مصالح كبيرة- بالمعنيين الإيجابي والسلبي- ارتبطت بـ"فتح". و"حماس" متمردة على ذاك التاريخ كلّه، وتطمح لإقامة دولةٍ إسلاميةٍ في فلسطين. وهكذا للمرة الأولى يظهر انقسامٌ عميقٌ في قلب الشعب الفلسطيني يتعدى المصالح السياسية إلى العقائد والأيديولوجيا، والصورة الأخرى للذات والعالم. وفي هذه الأمور كلّها- والحقُّ يقال – لا يستطيع العربُ أن يصنعوا شيئاً حاسماً. وسيقتصر دورهم على الاستمرار في الدعم المالي والسياسي للفلسطينيين من بعيد. لكنْ هذه المرة سيشاركهم في ذلك ليس الأوروبيون، بل الإيرانيون الذين لجأت إليهم "حماس" في السنوات الأخيرة، فلم يقصّروا! لكنْ إذا كان العراق نموذجاً للمشكلات التي كان بوسع العرب فعل شيء إزاءها، ولن يستطيوا ذلك الآن. ففلسطين تنتمي إلى الفصيلة نفسها من المشكلات؛ وبخاصةٍ أنّ الانقسام الحاصل بالعراق، صارت له نظائره في فلسطين! ولا يقتصر التشابُهُ بين فلسطين والعراق على التداخل الدولي والإقليمي، والانقسام الداخلي، بل هناك تداخُلُ المسؤوليات والأعباء. فالفلسطينيون والعراقيون أخطأوا كثيراً قيادةً وجمهوراً، والعربُ حاولوا تحمُّل مسؤولياتهم في رأب الصدْع، ولملمة الصفوف، فلم يستطيعوا. وبذلك تكون المسؤوليةُ مشتركةً محلياً وعربياً. ولو