من المتوقع أن يغير الاتفاق النووي التاريخي الذي وقعته إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش مع الهند نظام حظر الانتشار النووي في العالم، ويعيد كتابة القواعد الجيوسياسية في جنوب القارة الآسيوية. والواقع أن الأمر قد يكون كذلك في حال صادق عليه الكونغرس في صيغته الحالية.
لقد دأب مسؤولو البيت الأبيض مؤخرا، وفي مقدمتهم الرئيس جورج بوش نفسه، على التشديد حول ضرورة الإعراض عن إلحاق أي تعديل بالاتفاق النووي الموقع مع الهند خشية تخريبه وإفراغه من محتواه. بيد أنه من المرتقب أن يعقد مجلس الشيوخ الأسبوع المقبل جلسات استماع بشأن هذا الاتفاق المثير للجدل، كما أن العديد من أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب أعربوا عن رغبتهم في إلحاق شروط تضييقية بالاتفاق وتعديله. وفي هذا الإطار، يقول "داريل كيمبل"، المدير التنفيذي لجمعية مراقبة الأسلحة في واشنطن: "الأكيد أن ذلك الاتفاق لن يخرج بنفس الطريقة التي دخل بها".
ومعلومٌ أن الاتفاق النووي مع الهند، والذي يعد ثمرة عدة أشهر من المفاوضات المكثفة، وقع عليه الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ في الثاني من مارس خلال زيارة قام بها بوش إلى الهند. وينص الاتفاق المذكور على أن تقوم الهند بفصل برامج الطاقة النووية والمدنية على مدى السنوات الثماني المقبلة. وبالمقابل، ستستفيد نيودلهي من الخبرة النووية المدنية الأميركية، وتحصل على الوقود النووي الكفيل بمساعدتها على تحقيق أهدافها الطموحة بخصوص تطوير برامج الطاقة النووية.
وبموجب الاتفاق المذكور، ستخضع المنشآت النووية المدنية الهندية للتفتيش الدولي –ما يعد سابقة بالنسبة للهند التي لم توقع على اتفاقية حظر الانتشار النووي. غير أن المنشآت العسكرية الهندية لن تخضع لمراقبة المجتمع الدولي، كما أن الاتفاق لا ينص على مراقبة المفاعلات سريعة التخصيب والتي -في حال اشتغالها- يمكنها أن تنتج كميات كبيرة من البلوتونيوم في مدة زمنية قصيرة.
وقد ناشد الرئيس بوش الكونغرس المصادقة على الاتفاق. ووفقا لبوش، فرغم أن الهند لم توقع أبدا على اتفاقية حظر الانتشار النووي، إلا أنها أثبتت أنها بلد يلتزم بما تنص عليه هذه الاتفاقية، ويشكل راعيا للتكنولوجيا النووية يمكن الاعتماد عليه. ويرى الرئيس بوش أن من شأن مساعدة الهند على إنتاج الطاقة النووية المدنية تقليل احتياجاتها من النفط على المدى البعيد، وهو ما سينتج عنه تخفيف الضغط على أسعار النفط. وفي هذا السياق، قال بوش خلال توقفه بمدينة ويلينغ بولاية ويست فيرجينيا: "إنه من مصلحتنا أن تستعمل الهند الطاقة النووية كمحرك لنموها الاقتصادي".
ويزيد مؤيدون آخرون للاتفاق على ذلك بالقول إن الهند دولة ديمقراطية صاعدة وبلد نشط اقتصاديا، ترغب الولايات المتحدة في ربط علاقات متينة معه. ومما يجدر ذكره أن الخلاف بشأن تكنولوجيا الهند النووية شكل على مدى عدة سنوات العقبة الرئيسية في وجه تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والهند. وحسب مؤيدي الاتفاق دائما، فمن شأن إزالة هذه العقبة إحداث تغير نوعي في الأبعاد الجيوسياسية بالمنطقة، مع إمكانية إحداث توازن مضاد لنفوذ الصين الإقليمي، بل وحتى إيران.
وقال سلمان حيدر، الدبلوماسي الهندي السابق وعضو معهد السلام الأميركي، في ندوة نظمها مجلس العلاقات الخارجية الأميركي الأسبوع الماضي: "لدى الهند اليوم إحساس بأن عزلتها قد انتهت أخيرا". إلا أن القانونيين الأميركيين لا يبدون تسرعا في التصفيق للاتفاق، حيث أعرب العديد منهم عن قلقه إزاء اتفاق يرون أنه بمثابة مكافأة تُمنح لدولة طالما ترفعت عن الجهود الدولية الرامية إلى حظر الانتشار النووي.
ومما يجدر ذكره هنا أنه من أجل أن يدخل الاتفاق النووي بين البلدين حيز التنفيذ، على الكونغرس أن يقر تشريعا يعفي الهند من القوانين الأميركية التي تنص على الحد من إقامة أنشطة تجارية مع الدول غير الموقعة على اتفاقية حظر الانتشار النووي. وحتى قبل حدوث ذلك، كما يقول النائب الجمهوري هنري هايد عن ولاية إلينوي، رئيس لجنة العلاقات الدولية التابعة لمجلس النواب الأميركي؛ سيسعى العديد من أعضاء الكونغرس إلى إجراء تعديلات على الاتفاقية الهندية- الأميركية.
هذا ولم يصدر عن السيناتور الجمهوري ريتشارد لوغار، من ولاية إينديانا ورئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، ما يفيد بتأييده –أو معارضته- للاتفاق. إلا أن قانونيا محترما آخر لم يُخف معارضته للاتفاق في صيغته الحالية، حيث أعلن السيناتور الديمقراطي السابق سام نون، من ولاية جورجيا، في الأسبوع الماضي أن الاتفاق سيلحق الضرر بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة، قائلا: "لو كنت ما أزال عضوا في الكونغرس، لأبديت تشككي واقترحت إجراء تعديلات".
وعموما، يبدي منتقدو الاتفاق قلقهم إزاء رهان الإدارة الأميركية على الفوائد الجيواستراتيجية من وراء الشراكة مع الهند في هذا المجال. والواقع أن إعفاء برنامج المفاعل الهندي سريع التخصيب، من المراقبة الدولية، والسما