كما فعل سلفه أرييل شارون والفائزون في الانتخابات الإسرائيلية السابقة، وضع إيهود أولمرت زعيم حزب "كاديما" ورقة كتبت عليها "صلاة" في شقوق الجدران القديمة لحائط البراق، ومن هناك توجه إلى احتفالات نظمها أنصار حزبه بمناسبة الفوز المحدود الذي حققه في الانتخابات العامة يوم الثلاثاء الماضي. أولمرت خاطب مئات من مؤيديه الذين لوحوا بأعلام الحزب وأطلقوا البالونات في الهواء وسط تجمع ظللته صور عملاقة لشارون، فقال إن على الفلسطينيين أن يتخلوا عن "حلم التدمير"! وإلا "فسنقرر مصيرنا على أساس اتفاق مع أصدقائنا في العالم"! وذلك "برسم الحدود النهائية لإسرائيل"!
التلويح مرة أخرى بخطة الانفصال الأحادي هو "الدخان الأبيض" في الإعلان عن التفويض الضمني الذي ناله رئيس الوزراء الإسرائيلي بالوكالة، اليميني إيهود أولمرت، وذلك لتشكيل الحكومة المقبلة ولتنفيذ برنامجه الانتخابي، لاسيما خطة الفصل الأحادي وترسيم "الحدود" وتشديد طوق الحصار على الشعب الفلسطيني!
إلا أن مهمة أولمرت دونها عقبات وعراقيل ومشاق كبيرة؛ أهمها غياب الوسط الحيوي والنشط الذي يحتاجه حزب ناشئ مثل "كاديما"، إذ يعكس انخفاض نسبة التصويت إلى حضيض لم يسبق له مثيل في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية (63% فقط)، تراجعا كبيرا في احترام الجمهور الإسرائيلي لأحزابه السياسية وقياداته... بل يشير موقف أليزا أولمرت والتي صوتت لأول مرة لصالح اللائحة التي يقودها زوجها أولمرت -مع بعض التردد كما قالت تلك الناشطة اليسارية المعروفة، إلى ظاهرة ضعف الالتزام وبوادر التفسخ التي أصابت الحياة السياسية والأيديولوجية الإسرائيلية!
ولن يكون التفاوض على تشكيل الحكومة المقبلة، عملا سهلا بأي حال؛ فهناك 12 حزبا ممثلا في "الكنيست" الجديد، يتصدرها "كاديما" (28 مقعدا)، يليه "العمل" (20 مقعدا)، ثم "شاس" (13 مقعدا)، فـ"الليكود" (11 مقعدا). وحسب القانون الإسرائيلي فرئيس الدولة ليس ملزما بإلقاء التكليف على رئيس الحزب الأكبر، بل يمنحه لعضو البرلمان (الكنيست) الذي تؤيده أكثرية نيابية. لذلك سارع أولمرت إلى التفاوض مع ثلاثة من أحزب اليمين والوسط هي: حزب "شاس" (13 مقعدا)، و"حزب المتقاعدين" (7 مقاعد)، وحزب "يهودت هتوراه" (6 مقاعد)، وإذا ما أصبح لديه ائتلاف يضم 54 نائبا، من أصل 120 هم أعضاء الكنيست، فقد يبدأ عندئذ إدارة مفاوضاته مع "العمل". ومن نقاط الخلاف الرئيسية بين "كاديما" وأحزاب اليمين، خطة الفصل الأحادي مع الفلسطينيين، والتي ترى فيها تلك الأحزاب تنازلا عن "إسرائيل الكبرى"، فيما يوافق على محتواها حزب "العمل"، مشترطا وجود مفاوضات مع الفلسطينيين!
وربما كانت ثقة أولمرت في فوز حزبه بنحو 40 مقعدا، على ضوء استطلاعات الرأي الأخيرة، هي ما دفعه إلى التحذير مرارا من أن الأحزاب التي ترفض خطته للفصل الأحادي، لن يمكنها الانضمام إلى الائتلاف الحكومي. وبذلك يكون ألمرت قد أقر بأن "حلم الإسرائيليين في العيش على كل أرجاء البلاد... لم يعد واقعيا"، بل اعترف أن توصله إلى تلك النتيجة كان "اللحظة الأكثر إيلاما" في حياته! إذ آمن منذ صغره بفكرة "إسرائيل كبرى من البحر المتوسط إلى شرق الأردن"! فإيهود أولمرت الذي ولد عام 1945 في فلسطين (قرب مدينة الخضيرة)، نشأ في وسط يميني متطرف؛ وكان والده زعيما في منظمة "إيتسيل" السرية اليمنية اليهودية المتطرفة، وكان شقيقه الأكبر يوسي أولمرت رئيس الوكالة اليهودية العالمية. عاش إيهود أولمرت في القدس الغربية ودرس في جامعتها المحاماة والفلسفة وعلم النفس، وفي سني شبابه انضم إلى حزب "حيروت" اليميني المتطرف، وقاد فرعه الطلابي في الجامعة، لكن كثيرين داخل الحزب اتهموه بالتعالي والفظاظة والتصنع، فانسحب مع مجموعة انشقاقية شكلت حزبا يمينيا جديدا باسم "لعام". ثم نجح أرييل شارون عام 1974 في توحيد أحزاب اليمين المتطرف، وبينها "لعام"، وذلك في حزب واحد هو "الليكود"، فانتخب أولمرت حينئذ نائبا على لائحة تكتل "ليكود"، فكان أصغر أعضاء "الكنيست" وقتها. ووقف إلى جانب العناصر الأكثر تطرفا في التوسع الاستيطاني. وصوت في عام 1978 ضد "اتفاقات كامب ديفيد"، كما عارض "اتفاق أوسلو". وخلال توليه وزارة شؤون الأقليات (1988-1991)، اتخذ موقفا معاديا من الأحزاب العربية. أما بعد فوزه برئاسة بلدية القدس عام 1993، فاشتهر بمشاريعه لتهويد الجزء الشرقي من المدينة المحتلة، وبدور في حفر النفق تحت باحة الأقصى المبارك.
وكما كان حال أولمرت في "حيروت"، فإن رفاقه في "الليكود" أيضا لم يكونوا على علاقة طيبة به، بل أبدوا صدودا عنه وتآمروا عليه في حالات كثيرة. أما عامة الإسرائيليين فلا يرون فيه رجلا "محببا".
وأولمرت الذي أمضى شبابه في الفقر، ثم أصبح رجلا ثريا منذ أواخر السبعينيات، اليوم يحب البدلات باهظة الثمن والسيجار والأكل الفاخر! وإن لم يكن ذلك تعويضا سيكولوجيا، فإن أولمرت لا يعد صاحب حضور قوي، وإن كان يجيد استخدام وسائل الإعلام. ولعل انتقاله من منافسة شارون على رئ