وصلت شعبية الرئيس الأميركي جورج بوش إلى أدنى مستوى لها منذ انتخابه عام 2000. كل الاستطلاعات والدراسات تشير إلى تضاؤل ثقة الأميركيين، لاسيما "الجمهوريين" في قيادة الرئيس وإدارته بعد سلسلة من الإخفاقات والنكسات والهزائم التي مُني بها خصوصاً بعد الحرب على العراق. وبدأ كثيرون يتحدثون عن الانعكاسات السلبية للسياسات التي اعتمدت والتي لا تزال تعتمد ويستمر أسلوب الهروب إلى الأمام قاعدة في العمل. فالحرب على أفغانستان لم تنهِ حركة "طالبان"، ولم تؤسس لنظام ديمقراطي جديد ومجتمع حر كما ادعى معظم المسؤولين الأميركيين. الحرب على العراق طغت على ما يجري من أحداث في أفغانستان، حيث تستمر العمليات ضد القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي ويقع قتلى وجرحى في صفوفها بشكل يومي. وتستمر العمليات ضد القوات الأفغانية والأمن ليس مستقراً في عدد من الولايات، وزراعة المخدرات والتجارة فيها ناشطة، ولم يعالجها الاحتلال الأميركي. وحركة "طالبان" لا تزال تعمل بقوة والقوات الأميركية تستهدفها ولكنها تظهر فشلاً ذريعاً أمام العالم وذلك من خلال قصفها الدائم والمستمر لمواقع تدعي أن ابن لادن أو نائبه أيمن الظاهري موجودان فيها ويثبت أنهما لا يزالان حيين يتنقلان في مناطق مختلفة ويطلقان دورياً التصريحات والمواقف الإعلامية عبر شاشات فضائية معروفة.
كذلك فإن أثر ما جرى في أفغانستان انعكس سلباً على الجوار، ففي باكستان قلق وأزمة مع الأميركيين الذين قصفوا منذ مدة قرية مدعين أن الظواهري موجود في أحد منازلها. فكانت النتيجة سقوط عدد من القتلى المدنيين الأبرياء، الأمر الذي حرك مشاعر المواطنين الباكستانيين ضد الأميركيين وسياساتهم و"عدوانهم"، وأظهر ضعف وفشل أجهزة الاستخبارات الأميركية، مما يهز صورة الإدارة الأميركية وأجهزتها ومؤسساتها أكثر فأكثر. كل ذلك دون أن ننسى أن لإيران هناك دوراً قوياً، تقول أميركا إنها تريد التضييق عليه، لكن النتيجة الظاهرة أنه دور فاعل في عدد من المناطق الأفغانية.
وفي العراق حيث الفشل الذريع، الفوضى عارمة، العمليات ضد القوات الأميركية يومية، القتلى والجرحى بالآلاف، الفوضى أينما كان، لا أمن ولا استقرار ولا ديمقراطية ولا مؤسسات. الأموال أهدرت والفضائح تفوح روائحها في كل الدوائر لتطال عدداً كبيراً من المسؤولين الأميركيين وحلفائهم العراقيين. الدور الإيراني المشكو منه أميركياً وخليجياً موجود وفاعل ومؤثر في كل مؤسسات الدولة وإلى جانبها في مؤسسات رديفة. صورة أميركا وسمعتها في الحضيض، تغيير المسؤولين بشكل دائم والانتقال من فشل إلى فشل دائم، انعكس على الأوضاع في منطقة الخليج وعلى علاقات الإدارة الأميركية بهذه الدول التي يتحدث بعضها علناً عن أخطاء السياسة الأميركية في العراق، وعن تسليم العراق لإيران، حتى انتهى الأمر إلى حوار أميركي- إيراني حول العراق، وعن تنظيم أميركي لحرب مذهبية وعرقية، وعن مشروع تفتيتي وما إلى هنالك من اتهامات وانتقادات توجه إلى الإدارة الأميركية ما أدى إلى استقالة عدد من أركان هذه الإدارة في البيت الأبيض، والخارجية، والبنتاغون، والاستخبارات المركزية، وفريق المستشارين، وارتفاع الأصوات وتعدد التظاهرات ضد الحرب على العراق، ودعوات إلى سحب الجنود الأميركيين من هناك وإعادتهم إلى ديارهم!
وفي المنطقة ذاتها، الاستقواء بالعراق النموذج، والمطالبة بتغيير النظام في سوريا، انتهيا إلى المطالبة بتغيير السلوك! الأمر الذي أدى إلى استقواء النظام السوري. وفي فلسطين مطالبة باعتماد الديمقراطية، وعندما اعتمدت ونجحت "حماس" باتت المطالبة بمعاقبة الحركة ومحاصرتها وإسقاط خيار الشعب الفلسطيني الأمر الذي أدى إلى مزيد من التطرف الإسرائيلي غير المبرر من جهة، ومزيد من التشدد الفلسطيني المبرر من جهة ثانية، وبالتالي، توليد المزيد من مشاعر الكراهية والحقد ضد السياسة الأميركية في المنطقة وضد الإدارة التي تخطط لها!
كذلك فإن انعكاسات الحرب على العراق، والانحياز إلى إسرائيل، والابتعاد عن منطق الشراكة في العالم مع القوى الفاعلة والشريكة في القرار، والانحياز إلى منطق التفرد، والمكابرة وعدم الاستماع إلى نصائح أصدقاء أو خبراء أو قادة أو زملاء أدى إلى مشاكل مع روسيا وغيرها من الدول الكبرى، الأمر الذي انعكس على سلسلة من القرارات والمشاريع على المستوى الدولي لم تأتِ كما كانت تشتهي الإدارة الأميركية.
حتى الملف النووي الإيراني، حيث ثمة إجماع على رفض تخصيب اليورانيوم في إيران، تتعثر القرارات لأن الدول المعنية والرافضة للموقف الإيراني لا تريد تسهيل أي أمر من دون ثمن وتفاهم ما دامت الإدارة الأميركية تضغط عليها، وتهدد مصالحها هنا وهناك.
هذا غيض من فيض الأمثلة التي يمكن أن تعطى، دون أن نغفل ما يجري في أميركا اللاتينية وفي عدد من الدول التي جاءت الانتخابات فيها لصالح كل القوى المناهضة للسياسة الأميركية. لقد أضاعت الإدارة الأميركية الحالية فرصاً عديدة لتكريس شراكة عالمية وإيجاد نظام جديد مبني