سأبدأ المقال بالجانب السهل لأنه من تخصصي الدقيق، وسأعرج بعد ذلك على البعد الصعب لأنه مرتبط بالسياسة التي تمس عقل كل منا من حيث يدري أو لا يدري. المنهج الخفي هو أحد التعريفات التي نتداولها في التربية والتعليم عندما نعرف المناهج التعليمية، فلها العديد من التعريفات لكن أبرزها المنهج الرسمي وهو ما خططت الدولة لتدريسه في مدارسها، وهو يعبر عن الأهداف والطموحات المؤمل تحقيقها، التعريف الآخر هو المنهج الواقعي وهو ما يتم تدريسه في الفصول الدراسية. وبالمناسبة قد لا يكون هو نفسه المخطط له، ففي كثير من الأوقات تحول بعض العقبات دون تطابق المنهج الرسمي مع المنهج الواقعي؛ فمثلا قد يخطط المنهج الرسمي للاعتماد على الكمبيوتر في التدريس لكن واقع بعض المدارس مختلف فقد لا توجد بها أجهزة حاسب آلي مما يعيق تدريس المنهج الرسمي كما خطط له المتخصص في وزارة التربية والتعليم. والنوع الثالث من المناهج هو المتعلم، بفتح التاء، وهو يمثل المخرجات التي تحققت لدى التلاميذ بعد دراستهم للمنهج المطبق، وبكل تأكيد هناك فوارق جلية بين المنهج الرسمي والمطبق والمتعلم، لأن لكل طفل بيئته الداخلية التي تجعله يعالج المعلومات الواردة في المنهاج بصورة متميزة ومختلفة عن بقية التلاميذ في الصف الواحد، وأخطر هذه المناهج هو الخفي، وهذا مصطلح فلسفي تربوي في نفس الوقت يشير إلى ما يتعلمه التلاميذ في المدارس بطريقة غير مباشرة وربما غير مقصودة من قبل المعلم وفي كثير من الأحيان غير مخطط لها، فالتلاميذ يتعلمون من بعضهم بعضاً كما أنهم يتعلمون من تصرفات بعض المعلمين غير المقصودة في كثير من الأحيان. كي أقرب الصورة لك عزيزي القارئ، تخيل نفسك في غرفة الطبيب مشتكياً من علة في تنفسك، سيسألك الطبيب بلاشك هل تدخن؟ لماذا يا أيها الطبيب؟ لأن التدخين سبب أساسي لأمراض الجهاز التنفسي، فلو كنت مدخناً ربما تقرر الابتعاد عن هذه العادة الضارة، لكنك وقبل خروجك رأيت علبة سيجارة في قميص الطبيب، هل ستأخذ برأيه الطبي أم أنك ستتعلم عبر المنهج الخفي أن ما قاله الطبيب قد لا يكون صحيحا لأن الفعل أبلغ في التأثير من القول. مثل آخر من المدرسة: لو أن معلم اللغة العربية يستخدم في تدريسه اللهجة الدارجة وفي نفس الوقت يحث المتعلمين على الحديث باللغة العربية الفصحى، ما هي الرسالة الخفية وغير المقصودة التي يرسلها هذا المعلم إلى الطلبة، إنه يقول لهم لا تصدقوا ما أقول لكم، ومن هنا تكمن أهمية المنهج الخفي في التعليم، هذا هو الأمر الذي أعرفه كمتخصص في التربية والتعليم.
في السياسة التي لا أفهم فيها الشيء الكثير، تأتي قضية الديمقراطية التي تروج لها الدول المتقدمة بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، لأن الديمقراطية هي وسيلة الارتقاء بالشعوب، فقد عرض توني بلير في خطابه أمام البرلمان الاسترالي خلال الأسبوع الماضي أهمية تدخل الغرب في العديد من القضايا، وضرب المثل بالعراق لأنه معركة حاسمة بالنسبة للمبادئ التي يؤمن بها الغرب، هذا هو المنهج الرسمي للديمقراطية لأنها تمثل آخر ما وصلت إليه الحضارة الغربية، ولما قرر الغرب تطبيق هذا المنهج كان الواقع في العراق يقول لنا إنه قتل منذ أن بدأت الحرب 2322 جندياً أميركياً و103 جنود بريطانيين و6370 عسكرياً عراقياً و37895 مدنياً عراقياً أيضا، كما أن العراق مهدد بحرب أهلية لا قدر الله ستضاعف هذه الخسائر في متوالية نعرف بدايتها وقد لا نتمكن من معرفة ختامها. فما هو المنهج الخفي الذي نتعلمه كعرب من المنهج الرسمي والواقعي للديمقراطية الغربية؟ وكي نزيد الطين بلة دعوني أذكركم بأن الديمقراطية في فلسطين أوصلت "حماس" إلى الحكم، لكن الشعب الفلسطيني مهدد بالمجاعة لأنه مارس الديمقراطية واختار من يمثله، هنا تكمن أهمية المنهج الخفي للديمقراطية.